عبدالعزيز السماري
الاستقرار هو الطريق الممهد نحو التطور، وإذا لم يكن هناك استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي في الأوطان تحدث التراجعات المؤلمة، وتختفي الإنجازات، ويتخلف المجتمع عن الركب الإنساني. لكن ذلك لا يمكن أن يكون فقط أمنيات أو دعوات بلا سعي وعمل وجهد، تكون نتيجته الاستقرار بكل ما تعنيه الكلمة.
تميل الفطرة الإنسانية إلى الاستقرار، وذلك لأنه من طبيعة الأشياء وأحد عناصرها الأساسية، فالإنسان يهاجر ويعبر المحيطات من أجل أن يعيش في استقرار، ولعل صور مخيمات اللاجئين في الدول المستقرة تعبِّر عن تلك الفطرة جيداً.
يجب أن يكون الاستقرار هدفاً سياسياً، وذلك لأهميته الإستراتيجية في تطور الأوطان، والمحافظة على المكتسبات، وشرط ذلك أن يكون ذلك أيضاً هدفاً مشتركاً للجميع، من أجل أن يقفوا صفاً واحداً ضد الاختراقات التي تدعو للفوضى، وتكون مدمرة للأجيال.
من الواضح أن الدول التي تجاوزت رياح الربيع العربي كانت الأكثر استقراراً من غيرها، وكان ثمن الفوضى في الدول الأخرى مؤلماً، فقد تشتت أراضيها وشعوبها، وما زالت الحرائق تحول الأخضر واليابس إلى رماد.
الاستقرار مركب معقد، وتدخل فيه ثوابت كثيرة وشروط عديدة، لكن يأتي في مقدمتها شرطان عظيمان، هما الحرية والكرامة، وإذا أخلت بهما السلطة أياً كانت، تتغير النفوس وتنقلب القناعات الفطرية، وتتبدل لغة التواصل والاحترام المتبادل إلى التحريض والانتقام.
لنرجع إلى التاريخ السياسي في العراق وسوريا وليبيا، فقد تدنت معايير الكرامة والحرية في المجتمع إلى أدنى مستوياتها، فكان الحل الفوضى وتقويض الاستقرار الشكلي، وهدم أسوار السجن الكبير، وقبلت الشعوب أن تضحي بكل ما تملك على أن لا تعيش في مهانة وإذلال، وحدث ما حدث من فوضى ودمار.
من شروط الاستقرار أن تكون هناك سلطة عليا مهيمنة، هدفها خلق المساحات الإيجابية للمجتمع لإبرار التنوع الثقافي وفسح المجال أمام فرص العمل ورفع معدلات السعادة في حياة الإنسان، لكن مهمتها الرئيسة منع تسلط فئات على أخرى.
لم تنجح أعتى دول الخوف في المحافظة على استقرارها، وكانت نهايتها مريرة، بينما عاشت الدول التي ترفع من شأن الكرامة الإنسانية في استقرار وأمن، وقد كان انهيار المعسكر الشرقي أمام الغرب دليلاً على ذلك، فقد انتصرت المجتمعات التي ترفع من شأن الإنسان، وخسرت غيرها ممن ينتهكون خصوصيته وكرامته.
تحظى دول الخليج العربي بقراءات أعلى في معدلات الرضا والاستقرار، وكان العامل الأهم الحفاظ على كرامة الإنسان، وتعتبر مؤشراً أهم في استقرار الأوطان، وأن يستمر الاستثمار لإثراء هذه القيمة الإنسانية العالية هدفاً إستراتيجياً في مستقبل الأيام.
كان خلف ذلك أيضاً عامل التنوع الثقافي، والذي يعني عدم وجود صبغة موحدة على العقول، وقبول فطرة تعدد الآراء إذا لم تدعُ للفوضى والعنف، ولم تؤثر سلباً على الوحدة الوطنية، وكان ذلك بالتوقف عن التفكير السياسي من خلال المقولة الشهيرة إذا لم تكن معي فأنت ضدي.
ويعني ذلك أن الجميع مع الوطن ووحدته مهما اختلفوا أو تعددت آراؤهم، وذلك لأن الإنسان عندما يكون وطنه مصدراً لعزته وكرامته سيسعى بكل جهده الذهني والعملي للمحافظة عليه في ظل المتغيرات الكبرى في المنطقة العربية والإقليمية. حفظ الله الوطن.