د. محمد عبدالله الخازم
لسنوات طويلة كنا مترددين في ولوج باب اجتماعي واقتصادي واسع ممثلاً في السياحة والترفيه، لأسباب يطول شرحها. كانت الأولوية والسيطرة للفكر الأيدلوجي على حساب الاقتصادي، ولم نكن نبالي بخروج الأموال لأجل السياحة والترفيه بقدر ماكنا نحتم بفكرة المحافظة والفضيلة، حتى ولول كانت شكلية في بعض جوانبها. جاء مهندس الرؤية الاقتصادية الحديثة فقرر إعلاء قيمة الاقتصاد والترفيه للناس، فجعل من مكونات الرؤية إتاحة الخيارات الترفيهية للناس، وهذا مطلب اجتماعي تنموي قبل أن يكون اقتصادياً.
جاء مشروع محمد بن سلمان الترفيهي بالرياض - القدية، حلماً مفرحاً للناس لأن تحققه سيجلب لهم وسائل الترفيه التي كانوا يشدون الرحال إليها خارج البلاد. المشروع له مكونات ضخمة ستجعله عند الانتهاء أحد أكبر المشاريع الترفيهية في المنطقة، ولا نعتقد أن هناك من ينكر أهميته وجدواه، وخصوصاً أنه سيتم تنفيذه عن طريق صندوق الاستثمار والمستثمرين مما يعني أن جدواه الاقتصادية تم دراستها بعناية. بعد الترحيب بالمشروع، اسمحوا لي باعتباره جزء من مهمتي النقدية طرح أسئلة ليست حول أهمية المشروع وضرورته، وليست حول جدواه الاقتصادية فكل ذلك أمر مفروغ منه كما أشرت في المقدمات أعلاه، ولكن حول بعض الجوانب التنموية.
هل من الأفضل إقامة المشروع ضمن امتداد مدينة الرياض؟ هل الرياض تتحمل مزيداً من الضغط على مفاصلها التنموية بسكانها الذين تجاوزوا ستة مليون نسمة وازدحام شوارعها ومؤسساتها؟ مع الأخذ في الاعتبار طبيعة الرياض البيئية، هل ستنجح فكرة متنزهات مائية في الصحراء أو حدائق خضراء؟ أم أن ذلك سيكون مصطنعاً ومكلفاً جداً وعلى حساب البنى التحتية من ماء وكهرباء وغير ذلك؟ هل سيكون الترفيه جاذباً في فصل صيف تبلغ حرارته 50 درجة مؤية؟ أم سيتحول إلى ترفيه داخل مجمعات مكيفة مكلفة غير جاذبة؟
أنا عاشق للرياض باعتبارها مدينتي التي أعيش فيها، لكن وطني كبير، فلم لا يكون المشروع الترفيهي الضخم مدخلاً لتطوير مدن أخرى ذات مقومات بيئية ومناخية تساعد في نجاحة مدناً ساحلية أو جبلية، مثلاً. لنخدم التنمية ولتكون أدواتنا أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية حين تستفيد من المقومات الطبيعية للمناطق؟ لن أذكر منطقة محددة، لكن الخيارات في هذا الشأن تستحق الدراسة، حتى لا نضطر مستقبلاً لتأسيس عاصمة جديدة بسبب عدم قدرة الحكومة على العمل في زحمة الرياض، كما فعلت دول أخرى باستبدال عواصمها المزدحمة بمدن أصغر...
الخيار الآخر الذي ربما يستحق النقاش، وأكرر بأن مهمتي هنا مجرد طرح أفكار للنقاش، هو توزيع مكونات المشروع على أكثر من منطقة بالمملكة، فما يناسب البيئة البحرية نجعله على الساحل، وما يناسب البيئة الصحراوية نجعله في مدينة ذات مناخ وطبيعة صحراوية، وما يناسب الجانب الرياضي نجعله في منطقة أخرى، وهكذا نكون أسهمنا في توزيع التنمية ودعم نمو واقتصاد ووظائف أكثر من مدينة ببلادنا الواسعة. سيبقى المشروع ضخماً والأكبر، حتى ولو لم يكن ضمن مجمع أو بقعة جغرافية واحدة، رغم أن فكرة الأكبر يجب أن لا تكون المحرك الرئيس للمشروع.