سلطان بن محمد المالك
يقول وارن بافت رجل الأعمال الأمريكي الثري الشهير (تستغرق الشركة 90 عاماً لبناء سمعتها و5 ثوانٍ لفقدانها)، تذكرت هذه المقولة وتأكدت من صحتها بعد مشاهدة ومتابعة ما حدث الأسبوع الماضي لشركة طيران يونايتد الأمريكية والتي تجاوز عمرها 90 عاماً من تأسيسها، وهي من أعرق وأكبر شركات الطيران في العالم. والذي حدث للشركة أمر بسيط كان بالإمكان تجاوزه بكل حكمة وبساطة دون اللجوء لأسلوب القوة في تنزيل أحد الركاب من مقعده.
والقصة بدأت بعد أن أعلن داخل الطائرة أن جميع مقاعد الرحلة مشغولة وأن هناك حاجة إلى 4 مقاعد ليسافر عليها 4 من موظفي الشركة، وطلبوا أن يتبرع 4 من الركاب بتسليم مقاعدهم وحصولهم على تعويض مالي وسفر على الرحلة القادمة، لم يتقدم أحد من الركاب للتنازل عن مقاعدهم واختار طاقم الطائرة 4 أسماء من ركاب الرحلة من قائمة الكمبيوتر المتوفرة لديهم؛ وطلبوا منهم التنازل والحصول على مبلغ مالي؛ استجاب منهم 3 ركاب بعد رفع المبلغ إلى 1000 دولار لكل راكب، ورفض الراكب الرابع التنازل عن مقعده، وهنا بدأت الكارثة بإجباره على النزول بعد أن طلب ملاحو الطائرة تدخل قوات أمن المطار، ودخل 3 رجال أمن وسحبوا الراكب بالقوة وهو يصيح بأعلى صوت مطالبهم بإبقائه بمقعده لأهمية سفره بنفس الرحلة وأنه طبيب ولديه مواعيد مرضى بالغد، حدث ذلك وفق استنكار واستهجان من ركاب الطائرة والذين نقلوا ما تم من خلال تصويرهم للموقف ونشره عبر شبكات التواصل الاجتماعي من خلال أجهزتهم الكفية.
خلال ثوانٍ معدودة انتشر الخبر بشكل لافت وسريع وتناقلته معظم وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، مما أضطر رئيس الشركة للخروج ونشر اعتذار رسمي من الشركة ونشره في حسابها في تويتر واستنكاره لما حدث وأنه سوف يتابع الأمر ويعرف الخلل الذي حدث، وتم الرد والتعليق على تغريدة الشركة بـ 66 ألف رد وأعاد التغريد بها 22 ألف شخص، والتعليقات كانت سلبية للغاية وفيها هجوم شديد على الشركة، وبعدها بدقائق أصدرت سلطات النقل والطيران المدني بياناً صحفياً تستنكر فيه ما حدث وأنها سوف تتابع الأمر وتحقق فيه. كما صرح رئيس الشركة في لقاء تلفزيوني بأنه لن يتم الاستعانة مستقبلا بقوات الأمن إلا إذا كان الموضوع أمني ويتطلب حماية سلامة الركاب. كما نشرت الشركة أكثر من بيان تعقيبي لاحق تؤكد اعتذارها مما حدث وأنها سوف تعوض جميع الركاب على متن تلك الرحلة بإعادة ثمن تذاكرهم، كما سوف تقوم بمراجعة سياسات التعامل مع الركاب داخل الطائرة مع الحرص على تدريب طاقم الطائرات في كيفية التعامل مع الركاب، وذكروا أن رئيس الشركة تواصل مع الراكب الدكتور داو واعتذر منه أكثر من مرة مما حصل.
الأمر لم ولن يمر بسلام على الشركة، فوسائل الإعلام الأمريكية والأجنبية تناقلت الفيديو المسجل عن سحب الراكب وأطلقت تعليقات لاذعة للشركة، وتجاوز الأمر ذلك بقيام شركات طيران منافسة وأجنبية بنشر إعلانات تؤكد اهتمامهم بعملائهم وأنه لا يمكن التعامل معهم كما حدث من طيران اليونايتد. وتضررت الشركة مالياً حيث هبط سهم الشركة 4.4 بالمئة اليوم التالي للمشكلة، وأشارت التقارير أن الشركة خسرت ما يقارب 800 مليون دولار بعد هذه الحادثة في يوم واحد فقط. كما ذكر في وسائل الإعلام أن مجموعة من المحامين تقدموا بالترافع عن الراكب وقدموا شكوى ضد الشركة وما تعرض له الراكب الذي بكل تأكيد سوف يكسب القضية. الخسائر المالية لا تضاهى بخسارة الشركة لسمعتها وثقة عملائها بها.
مثل هذه الحادثة أكدت بما لا يدع مجال للشك أن الشبكات الاجتماعية الآن تحظى بقوة إعلامية كبيرة جدا في نقل الحدث بشكل سريع بدون التمكن من إخفائه من أي جهة. وما حدث لطيران اليونايتد موضوع شيق للغاية ولم ينته بعد، وفيه دروس عديدة مستفادة ومن أهمها أن سمعة المنشأة أمر مهم يجب الحفاظ عليه وخسارتها تعني متاعب كبيرة للمنشأة، كما أن سرعة ظهور رئيس الشركة وتفاعله مع الحدث واعتذاره للركاب جميعا وللراكب المتضرر وأسرته كان أمراً إيجابياً خفف قليلاً من تفاقم المشكلة، والأهم في نظري أن فيها دروس للمختصين في التسويق والعلاقات العامة والإعلام وإدارة السمعة وتجربة العميل، ويمكن استخدام هذه الحالة السلبية للتعلم منها للآخرين،، الخلاصة أن أمام الشركة الكثير لتفعله من أجل تحسين سمعتها.