مها محمد الشريف
يعيش العالم المعاصر تجارب قاسية مع الإرهاب، وشكلت فضاءاته الواسعة ميادين عنف مختلفة أفضت في نهاياتها إلى توترات وأزمات وردود أفعال مزدوجة، وتعقدت أمور الحياة ومصالح البشر، وأصبح الكثير من القضايا شائكة ومعقدة في ظل غياب الحلول الناجعة، بل بلغت هذه المأساة العالمية حدًّا يشبه اللغز الذي يعلن العالم أجمع البحث عن حله حتى الذي كتب هذا اللغز وتعمد إخفاء حله وتظاهر مع المتظاهرين ضده، وكلما شعر باقتراب العالم من هذا الحل غيّر صيغته وزاده إيغالاً وتعميةً ليستمر هو ومن يشاركه في استثمار الشر في هذا السلوك الشيطاني.
عقدت المؤتمرات العالمية، والندوات.. والدراسات للخلاص من هذا الفكر المشين، وحتى الفلاسفة بحثوا في علم الإرهاب المعاصر ومن أهم ما جاء في فلسفة الإرهاب: كتاب للباحثة الأميركية ذات الأصل الإيطالي جيوفانا بورادوري بعنوان «الفلسفة في زمن الإرهاب»
وهو عبارة عن حوارين منفصلين مع اثنين من أهم الفلاسفة المعاصرين: الألماني يورغن هابرماس والفرنسي جاك دريدا، ويعرض كل واحد مفهومه للإرهاب، وكيفية استغلال القوى العظمى له، وكيف أن الولايات المتحدة الأميركية ألبسته تعريفًا فضفاضًا بحيث تستطيع أن تفسره بحسب مصالحها وما يلائم سياستها.
ويتضمن الكتاب أفكارًا مهمة بشأن مسؤولية الغرب عن تحفيز الجماعات الإرهابية على الشروع في أعمالها المباشرة، مثل تنظيم القاعدة في القتال ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان.
ويوضح الكتاب أيضا نقاط التباين والاختلاف في مقاربة هذين المفكرين لهذا الموضوع، ونضيف أيضا صناعة داعش من الدول التي ترعى الإرهاب باعتبارها منظمة تقع في عمق ذلك الخطر من خلال شكل التهديد الذي تشكله على المجتمعات العربية. الخطر الذي تكمن دلالته في استغلال كينونة التقنية في الوصول إلى أهدافها وأكثر السبل التي تقود نحو ما يتناسب وسياستهم لتفكيك منطقة الشرق الأوسط.
لقد حط الإرهاب من سمو الإنسانية، وخاض عملية تدافع من أجل الانتشار قي أجزاء متفرقة من العالم، وهذه الأبعاد بكل مفاهيمها يحكمها نشاط سياسي خرج بالشريعة عن الحقيقة. لذلك تكثيف عمل الدراسات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية تستدعي ضرورة قصوى ونفقات باهظة، حتى يتم إعداد كشف الخلل الذي يسهم باستقطاب مضللين لجماعات إرهابية مع دراسات ميدانية ومناطقية، وزيادة دور البحوث بخدمة الأجهزة المعنية بمكافحة الإرهاب.
بهذه البحوث نستطيع صيانة ثقافة مجتمع وحضارة أمة، وبديل يستطيع أن يعيش فيه الإنسان وفق طبيعة سليمة تكفل له حياة آمنة، وحلول جذرية للبطالة والفقر والنزاعات الاجتماعية، ومع انطلاق مؤتمر دور الجامعات في الوقاية من الإرهاب في رحاب جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بمدينة الرياض.
تتنوع طرق التواصل مع المجتمع بالشرائح والمواقع كافة، وتطور أساليب التعليم والحوار بالجامعات وإقامة الملتقيات الفكرية التي تهتم بنقاش قضايا الشباب والفكر، وتحصين الأسر ودعم تماسكها، وإيقاظ الذات المفكرة لبلوغ الحقيقة التي تشمل الحدس والاستنتاج!
وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أهمية الأولويات والأسباب المؤدية إلى اليقين، وما تقدمه جامعة الأمير نايف من جهود كبيرة وتحويل إصداراتها العلمية كافة، وكذلك رسائل الماجستير والدكتوراه وأبحاث الندوات العلمية والمؤتمرات والدورات التدريبية إلى إصدارات رقمية إلكترونية، تعد مزايا وإنجازات مصادر فخر عطفاً على حجم البذل من أجل سلامة الفكر، وسعياً نحو بناء مكتبة أمنية رقمية تخدم الأجهزة الأمنية العربية والباحثين والمهتمين باعتبار المكتبة الإلكترونية مكوناً أساسياً ورئيساً من مكونات التعليم الحديث، وهذه المعلومات الثرية التي اطلعت عليها من خلال موقع «جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية» تعكس في الحقيقة دلالة ضخمة فائقة الدقة، ندرك من خلالها أن الدولة تعمل بكل جد واجتهاد لحماية الوطن والمواطن من براثن الإرهاب.
وقد أتاحت الجامعة للباحثين إمكانية الحصول على هذه الإصدارات الرقمية من خلال بوابتها الإلكترونية على الإنترنت، بجانب توزيعها في شكل أقراص رقمية.
ومما يستحق الفخر أن المستودع الرقمي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية يحتل المركز الأول على مستوي المملكة والرابع على المستوى العربي والشرق أوسطي في تقويم ويبمتركس (Webometrics) العالمي يناير 2016 للمستودعات الرقمية المؤسسية الجامعية في العالم.
بكل فخر أشيد بما يقدمه هذه الصرح الهائل للأمن في الوطن وفي العالم.