د. أحمد الفراج
كان اليسار الأمريكي، أو ما يمكن أن يطلق عليه "أيتام أوباما" في حالة نشوة كبيرة، فقد استطاع إعلام اليسار أن يرسم صورة قاتمة للرئيس الجديد، دونالد ترمب، وهي صورة مليئة بالمغالطات، والتسريبات، والسيناريوهات المتخيلة، وقد ساهمت بعض أخطاء ترمب، وتفاعله مع استفزازات اليسار في رسم تلك الصورة، وكانت أقوى ورقة في يد خصوم ترمب هي التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، والتي يصر اليسار على أنه حدث لخدمة ترمب، بل وبتنسيق معه، ومع أقرب مستشاريه، كما كان لتعجل ترمب في إصدار الأمر التنفيذي، بمنع مواطني سبع دول من دخول أمريكا، دور في تفاقم أزمته، خصوصاً بعدما تدخل القضاء الفيدرالي، وأصدر أمره بإيقاف هذا الأمر، ولكنه فاجأ الجميع، خصوصاً خصومه السياسيين، عندما أعطى أوامره، كقائد أعلى للقوات المسلحة، بضرب النظام السوري ضربة تأديبة، كانت رمزيتها كبيرة جداً.
اليسار الأمريكي صعق من هذا التحرك العسكري لترمب، لأنه كان يريد له أن يستمر رئيساً بلا فاعلية، ليتسنى له توجيه الضربات ضده، وكانت أقسى ضربة "ترمبية" لليسار هي أن تحركه العسكري ضد نظام سوريا نسف كل ادعاءات خصومه عن علاقته الودية مع روسيا بوتين، فصواريخ توماهوك المرعبة على قاعدة الشعيرات كانت صفعة قوية لروسيا، التي تحتل سوريا فعلياً، قبل أن تكون ضربة تأديبية لنظام بشار، وقد أدرك خصوم ترمب ذلك، فما كان منهم إلا اختلاق القصص "المؤامراتية" بخصوص الضربة، ولم أكن أتوقع أن يسقط معلق سياسي أمريكي كبير، مثل لورانس اودانيل، بمثل هذا الوحل، ولكن يبدو أن أيدولوجيته اليسارية تغلبت على المنطق، جراء نسف ترمب لنظريته بتورط ترمب في علاقة مشبوهة مع الروس.
تقول نظرية لورانس اودانيل المتخيلة إن ضربة ترمب العسكرية لسوريا قد تكون جراء اتفاق بينه وبين بوتين، وذلك لصرف الأنظار عن المشاكل التي يواجهها ترمب في الداخل الأمريكي، وعن التحقيقات التي يجريها الكونجرس، وأجهزة المخابرات، حول علاقته بروسيا، وهو الأمر الذي حدث، عندما تحول حديث وسائل الإعلام الأمريكية إلى القرار الجريء بضرب نظام بشار، عوضاً عن الحديث عن مشاكل إدارة ترمب، وهذا السيناريو لم يكن مقبولاً من معلق مبتدئ، ناهيك أن يصدر عن معلق له وزنه مثل اودانيل، ولكنها الأيدولوجيا التي تعمي الأبصار، وسيناريو اودانيل يشبه سيناريوهات بعض البسطاء، الذين يقنعون أنفسهم دوماً بوجود مؤامرة غربية ضد العرب والمسلمين، ولم يكن اودانيل وحده في هذا السبيل، فهناك معلقون غيره وقعوا في ذات المطب، وفات عليهم أن زعيماً قومياً طموحاً مثل بوتين، لا يمكن أن يسمح بمثل هذا السيناريو أن يحدث، والذي سيظهره بمظهر الضعيف، وهو الزعيم الذي يطمح بإعادة الأمجاد الروسية، ومناكفة الإمبراطورية الأمريكية، التي ساهمت في سقوط الاتحاد السوفييتي، وسنواصل الحديث عن كل ذلك، فالأحداث لا تزال في بدايتها!