سام الغُباري
- في زمن الربيع العربي، كان لي أصدقاء عديدون من مالكي مقاهي الإنترنت الذين يحيطون بشارع الجامعة، في المقهى المقابل لجمعية الإصلاح الاجتماعي، حيث كانت تزدحم الخيام كنت أدلف إلى مقهى صديقي أستمع منه لما يفعله الساحاتيون، وما هي أمزجتهم، ماذا يشاهدون، كيف يتفاعلون؟ أسئلة عديدة كنت أركز عليها لمعرفة أفعالهم ضمن قراءات استقرائية لأشياء كثيرة ومعقدة. ذات يوم من تلك الأيام المستفزة وفي أوان العشاء دلف علينا شاب في أواخر الثلاثينات كما يبدو من هيئته، نحيل، وفي عينيه نظرة جوع وزيغ، تائه كشارد، يلبس قفطاناً بلون شحوبه.
- جلس الشاب على آخر الزاوية اليمنى وبدأ يحملق في شاشته، وأنا أراقبه، وصديقي مالك المقهى يلكزني في جنبي قائلاً: هذا حوثي، لا تزعجنا يا عفاشي!، ويردف ضاحكًا: لا تخليني أقل لهم إنك عفاشي حرام ما تخرج إلا في داخل شواله وقد قطعوك.. فأضحك ويضحك.. بعدها بلحظات عاد يلكزني وهو يطالع شاشته التي منها يراقب شاشات جميع زبائنه حرصًا على الأخلاق العامة المنصوصة في تعليمات وزارة الاتصالات، وكان يبتسم ويبتسر النظر إلى «الحوثي الزائغ»، فعرفت أنه يشاهد موقعًا إباحيًا مستغلاً زاويته المحصنة، فنهضت من فوري وتقدمت نحوه محاولاً إرباكه، فتعثرت يداه في لوحة المفاتيح وفأرة الجهاز، وتشاغلت وراءه بشيء، ثم عدت إلى جلستي السابقة بجوار صديقي مالك المقهى، وكلما استعاد «الزائغ» مشاهده الإباحية نهضت إليه وقد قررت ألا أجعله يستمتع بما يراه، حتى بان عليه الحنق فغادر مضطربًا. رغم تلك السنوات الست إلا أنني لم أنس وجهه، تفاصيله، زيغه وشروده، جبهته البارزة بنفور، أنفه الغريب، محاولاته الوقحة لابتسار مشاهد تنفعه في هدأة الليل وعند تخايله تحت فراشه على أرض الخيمة، أو في سكون إحدى المنازل المجاورة لساحتهم.. كان مقززًا لأنه يفعل ذلك علنًا.
- ليلة أمس.. رأيته، نعم إنه هو ولا غيره، انتشرت صوره، وقد استكان شحوبه وامتلأ نضارة يفسرها إفلاس البنك المركزي وجوع المواطنين.. إنه المفتي!، مفتي الديار الحوثية: شمس الدين شرف الدين!، هو بشحمه ولحمه ذلك «الحوثي الزائغ» فتى الأفلام الإباحية.. بعثت برسالة إلى صديقي مالك المقهى وقد غادر صوب قريته في إب: ضحكت معه قائلاً: «هل رأيت فوائد التعاون معنا، وأرفقت له صورة سماحة المفتي!.. فأرسل ضحكة كالمغشيّ عليه»!
- إنه زمن عاهر، ينشب الانحطاط في جسد الشعوب، لكنه لا يبلغ مستوى الدعارة إلا تحت ظلال الحوثيين وضلالهم، يصل إلى رئاسة دار الإفتاء شاب كان بالأمس يتعاشق مع مشاهد وقحة، وبجواره عُكفة وقحون أمثاله، وتلك هي أنماط إيران التي تجمع المذاهب المؤلفة من الحوثيين على اختلاف تفرعاتها وصراعها تحت عمامة الخميني السوداء، استنفار سلالي بغيض يرأسه مدمن أفلام إباحية.
- بعد أيام: المذيع في برنامج الشريعة والناس يسأل المتصل: تفضل أخي السائل، ففضيلة المفتي يسمعك.
- يُطل صوت السائل مرتبكًا عبر مايكرفونات الأستوديو الداخلية حيث يظهر المفتي وقد أدار رأسه ناحية اليمين وعيناه بذلك الزيغ القديم.. عفوًا سماحة المفتي.. أنت تعرف أننا شباب، وهذي الأيام حالتنا حالة، وسؤالي حول الأفلام الإباحية، هل هي حلال وإلا حرام؟
- وقع السؤال كقنبلة، ارتبك المصورون، وصاح المخرج من حجرة المراقبة الصغيرة: من هذا الوقح التافه، هذا أكيد من الطابور الخامس.. أوقفوا الاتصال.. بدا المذيع الذي يحاول صبغ الإيمانية على ملامحه يلملم كلماته بأعذار متقطعة، وقد وقف المفتي واجمًا هادئًا ساكنًا، ثم زعق بصوت مفاجئ: حلال يا ابني حلال.. وارتفع صوته بابتسامة غامضة: حلااااااااااال.