سهام القحطاني
ما بين ليلة و ضحاها تحول الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في العالم العربي من العدو الأول للإسلام إلى البطل الذي يحمل القلب الكبير و يدافع عن المظلومين و المقهورين من الشعوب العربية،وهو تحوّل استحق عليه كنية «أبو إيفانكا» التي أطلقها النشطاء العرب على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد «ضربته الشجاعة» على مطار الشعيرات العسكري السوري،النشطاء الذين أذهلهم صمت العرب الغريب أمام المجزرة الإنسانية التي حدثت في خان شيخون بأسلحة «بشار الموت»الكيمائية.
لاشك أن الضربة الأمريكية على مطار الشعيرات السورية غيّرت نظرة العرب و المسلمين للسياسة الأمريكية في المنطقة العربية بعد فترة من المواقف السلبية لإدارة بارك أوباما، مما يحدث للشعب السوري المضطهد من طاغيّة النظام و خلفائه الروس و الإيرانيين و مليشيات حزب الله و التي استباحت دماء السوريين و قتلت الأطفال و النساء و العزّل من الرجال تحت مرأى و مسمع العالم بحجة أن كل طاغٍ من حقه أن يُبيد الشعب بكل سلاح ليبقى نظامه فقط.
ثم تصريحات دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية سواء نحو المسلمين أو نحو السياسات الخارجية و التي رفض من خلالها دونالد ترامب أن تكون أمريكا «شرطي العالم» وهي تصريحات أكدّت للعرب و المسلمين أن السياسات الأمريكية نحو المنطقة سوف تسير وفق المسار السلبي الذي كان في عهد باراك أوباما.
وهو ما جعل العرب يستبعدون أمريكا من معادلة الإصلاح و الإنقاذ في المنطقة العربية،وهذا المسار الذي توازى مع الوجود الروسي في سوريا و مساندة طاغيتها في إبادة الشعب السوري، بدءا من مضايا وصولا إلى خان شيخون.
إبادات وحشية بكل ما تعنيها الكلمة وبكل المعايير و المواصفات التي تتجاوز قوانين حقوق الإنسان، والعرب أمام تلك الوحشيات لا حول لهم ولا قوة سوى الأدعية التي لم تحرك ساكنا،فالله في الأفعال لا في الأقوال.
وهذا الصمت العالمي أمام وحشية طاغية سوريا تحت ذريعة «السيادة» الذريعة التي أصبحت اليوم مفتاح الفرج لكل طاغية للتنكيل بالشعب و إبادتهم،وكأن السيادة أصبحت فوق القوانين و حقوق الإنسان،هذا الصمت ما زاد ذلك الطاغية إلا وحشية فجاءت مجزرة خان شيخون دلالة على جنون الوحشية التي وصل لها ذلك الطاغية.
المجزرة التي أكدت للشعوب العربية مدى ضعفهم و قلة حيلتهم بل صفرية حيلتهم فهم لا يملكون سوى كلمات ومهما عظمت تلك الكلمات التي ليست كالكلمات فهي لاتملك قوة تمنع عن الشعب المضطهد وحشية الطاغي،ليلعن الكثير منهم عروبة مقطوعة اليد و السلاح لتدافع عن شعب لا ذنب له سوى رغبته في الحرية و مقاومة الظلم و الطغيان.
وفي عتمة هذا الصمت الذي لا يرعى مداه سوى أنين جرحى خان شيخون، وعتمة اليأس العربي القاتل الذي جعل خير أمة أضعف أمة و أذلها في التاريخ العالمي الحديث، جاءت الضربة الأمريكية على مطار الشعيرات العسكرية لتٌحرك على الأقل ما سكِن.
فأصبح ترامب عدو الأمس في الذهنية العربية اليوم هو «أبو إيفانكا» البطل المحتمل الذي أخذ ثأر الضعفاء و المضطهدين ،وهو ثأر أشفى ولو كان قليلا ما تكتظ به صدور العرب،وهنا نحن أمام «النموذج التعويضي للمفقود» فترامب تحوّل عند العرب كمعادل لتعويض النموذج المفقود للبطل القومي الذي تتمناه الشعوب العربية.
إن فكرة «ترحيل أصلية النموذج القومي للبطل أو استيراده» لقصد تعويضي فكرة في مجملها مضّرة؛ لأنها تٌلغي صناعة»البطل القومي»لأي شعب،وهذا الإلغاء بدوره يسحب همة الشعب إلى دائرة الاستسلام ،ويجعلها تحت تأثير إرادة خارجية،وهذه الإدارة بدورها تفرض عليها قرار الاختيار، فنحن نُستعمر أيضا بواسطة البطل.
لقد أعاد ترامب «نموذج البطل الأمريكي بنسخة هوليوودية» السوبرماني الذي يظهر وقت الحاجة، الذي فُتن به العرب سينمائيا وجعلوه بديلا لبطلها القومي المفقود،وإن كان ورقا أو خيالا، إلى الصدارة بعد تراجعه في زمن بارك أوباما، ليثبت للعالم أن البطل الأمريكي مازال في المقدمة.
وبالإضافة إلى قيمة تلك البطولة، فثمة أسباب دفعت ترامب لتلك الضربة منها:
التأكيد على المعادلات السياسية لتلك الضربة سواء على المدى القريب أو البعيد، وهي اقتسام كعكة سوريا بعد سقوط طاغيتها، استجابة للضوء الأخضر الذي أصدرته إسرائيل من خلال تعليقاتها المنددة بمجزرة خان شيخون التي تجاوزت كل قوانين حقوق الإنسان،وهو ما يعني أن بشار الأسد بدأت أسهمه تتراجع عند الإسرائيليين و أن التضحية به أصبحت قريبا، فحلّ أزمة سوريا سواء قبلنا أو رفضنا حلها في آخر المطاف بيد إسرائيل.
رفع أسهم جماهيرية ترامب داخل أمريكا بعد اتهامه بالعنصرية نحو الآخر من خلال تصريحاته و الإجراءات المترتبة عليها.
إرجاع هيبة أمريكا في المنطقة من خلال تقديم استعراض توازن القوى مع روسيا،ولذا فنظرتنا يجب أن لا تبتعد كثيرا عن مسلّمة»خمور قديمة في أوانٍ جديدة».
وبالتأكيد فأننا أولا وقبل التفكير في المعادلات السابقة، لا نُنحي الجانب الإنساني والتعاطف الوجداني الذي شعر به ترامب وهو يرى صور مجزرة خان شيخون في حين أن بعض رؤساء العرب لم يهتز لهم طرف،وهو ما يعني أن الإنسانية هي دين الجميع .
وهو تعاطف يصوغ صورة جديدة لترامب أمام العالم، صورة تمتلئ إنسانية ورحمة خلاف الصورة التي ظهر عليها أثناء حملته الانتخابية، وبلاشك فإن الصورة الجديدة ستسهم في إعادة قراءة شخصية ترامب في الذهنية العربية .
فهل سيصبح ترامب أو «أبو إيفانكا» البطل الشعبي المحتمل القادم في الذهنية العربية ليعوّض الفراغ الروحي لتمثيل بطل قومي حقيقي يبحث عنه العرب؟