د.عبدالله الغذامي
تجنح الثقافة لنوع من التقسيم الطبقي عن عقل كبير وعقل صغير، وتعتمد مقاسات تعسفية: السن، الجنس، اللون. ومن هنا فالأكبر أعلم، والذكر أعقل، والأبيض أرقى، وتدخل القياسات في المنتج الثقافي نفسه، فالشعر مثلاً حق مكتسب للفحول، ويتم طرد النساء من مملكة الشعر، ويتكشف هذا بصيغ صريحة من مثل قول الفرزدق: إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فاقتلوها، وقد قالها حين سمع عن امرأة تقول الشعر، ومثل ذلك بيته:
(وخير الشعر أشرفه رجالا
وشر الشعر ما قال العبيد)
ويشير بهذا للشاعر نصيب، وهو أسود اللون واستكثر عليه الفرزدق أن يدخل في كتاب الفحولة الشعرية، وحين ذكروا له أبياتاً راقية لنصيب واضطر لمواجهة الموقف رد بقوله: إنه أشعر بني جلدته (المبرد، الكامل 1 / 158) وليس الفرزدق بفريد في هذا وكل كتب التراث تردد مقولاته مع التسليم بها وتقبلها، ولن تجد في التراث نقداً أو اعتراضاً على مثل هذا الأحكام، وفي غير مجال الشعر ورد القول بالتقليل من شأن كتاب (ألف ليلة وليلة) والقول إنه كتاب يصلح للنساء والأطفال وصغار العقول. والفئات الثلاث هي الفئات التي ينظر إليها بدونية متعمدة، على أن الطفل الذكر غير الطفلة، وأبو تمام يقول:
إن الهلال إذا رأيت نموه
أيقنت أن سيكون بدرا كاملاً
وقد قالها عن طفل مات صغيراً وأراد الشاعر مدحه فتوسل بهذه المجازية، أما الطفلة البنت فمصيرها مصير المقولة: عقل المرأة إلى حمق، ويفسرونها أن الرجل كلما كبر زاد حكمة، والمرأة كلما كبرت زادت حماقة، وقبل هذا كله كان أفلاطون قد حرم النساء والأطفال والعبيد من دخول (جمهوريته) وتقول عنه الروايات إنه ظل عمره كله ساخطاً لأن أمه امرأة. وهذا يشرح تمنُّع الثقافات البشرية كلها عن تعليم المرأة ومرت قرون وقرون والمرأة محبوسة في بيت التجهيل، ولم يظهر تعليم المرأة في العالم كله إلا في أزمنة متأخرة جداً، وبعد كفاحات مريرة.