-1-
يطلق كثيرٌ من الكتّاب أحكاماً إيجابية على مجتمعنا، بعضها راسخٌ في منظومته القيمية يمكن أن نستدلّ عليه بسهولة، وبعضها الآخر من جملة القيم الجديدة، التي نحتاج لإثبات وجودها ومعرفة مصادرها ومستواها ودرجتها إلى عمل بحثي جاد، من ذلك - على سبيل المثال - الحكم لمجتمعنا اليوم بارتفاع مستوى وعيه، وجاهزية أفراده للحوار، واستعدادهم لقبول النقد، ولتقبّل الآخر، وتطلّعهم إلى التغيير.. فجميع هذه القيم متصلة بجملة المتغيرات الناتجة عن:
- تحوّلنا من البادية والقرية إلى المدينة..
- ثم تأثرنا بمرحلة الانفتاح التي دشّنها الإعلام (بداية من الفضائيات إلى مرحلة الإعلام الاجتماعي)..
- ثم ما أفضت بنا إليه برامج التنمية خلال العقد الأخير (وأهمّها الابتعاث والتوسّع في عمل المرأة)..
لذلك لا يصحّ - من وجهة نظري - إطلاق مثل هذه الأحكام وتعميمها إلا بعد دراسة وافية، تتوسّل بالكثير من الأدوات لتحديد درجة إيماننا بهذه القيم المهمة.
ومن زاوية خاصة: لستُ مطمئناً لمحاولة إثبات هذه القيم كـ(ظاهرة) في مجتمعنا؛ لأنني لا ألمس من خلال تفاعلنا المفتوح ما يعطي انطباعاً برسوخها أو شيوعها، بل على العكس لا يأخذني ما يُستشهد به اليوم على إيمان مجتمعنا بها إلا إلى الضدّ تماماً، وفي الآتي محاولة قصيرة لاختبار مستوى إيماننا بهذه القيم من خلال قراءة جانبٍ من تفاعلنا مع المسلسل الرمضاني سيلفي، وسأكتفي هنا بما أستوعبه موقع تويتر من هذا التفاعل، تحت الوسم الذي يحمل اسم المسلسل (#سيلفي - #سلفي)، وجملة الوسوم المخصّصة لأهمّ حلقاته.
-2-
بداية يمكن أن نقسّم تفاعل السعوديين مع حلقات سيلفي في تويتر، قسمين:
الأول: تفاعل يعبّر فيه المشاهد عن استمتاعه بـ(الساخر) في الحلقة، المتمثّل في أقوال الممثّل وأفعاله وأحواله، ويتصل بهذا التعبير ما نُطلق عليه (الطقطقة) أي: توجيه الإشارات التي تضمّنتها الأقوال والأفعال والأحوال إلى شخص بعينه أو أشخاص أو فئات. والثاني: تفاعل يعبّر عن موقف معين من فكرة الحلقة أو أدائها، ويتطور هذا التفاعل في اللاحق (بسبب دخوله مع تفاعلات أخرى) ليكون احتفاءً بالعمل أو اعتراضاً عليه (بصورة كاملة أو جزئية)، وهذا النوع من التفاعل هو ما يستحقّ الاهتمام؛ لأنه يشفّ لنا عن مستوى تفاعلنا مع هذه القيم، وتحديداً مع قيمة (قبول النقد أو تقبّله).
-3-
وجدتُ - من خلال متابعة عدد كبير من التغريدات - أنّ فكرة (قبول النقد) تنشط في هذا التفاعل حين يكون النقد الذي تقدمه الحلقة موجهاً بشكل مباشر أو ضمني إلى فئة لا ينتمي إليها المتقبّل أو المتفاعل، ويمكن أن أقول - تبعاً لذلك - إنه كلما نجح فريقُ المسلسل في تجلية سمات الفئة التي ينتقدها كسب تفاعلاً كبيراً من جهتين:
- الأولى: جهة مؤيدة، تحتفي بالنقد الذي قدمه المسلسل لا لأنها مؤمنةٌ بالنقد أصلاً، بل لأنّ النقد في هذه الحالة استهدف غيرها، أو استهدف من ترى فيه خصماً فكرياً أو سياسياً أو اجتماعياً!
- والثانية: جهة رافضة، ترفض النقد الذي قدمه المسلسل لأنه يستهدفها، أو لأنها ترى فيه استهدافاً لسمات وخصائص محسوبة عليها، وفي هذه الحالة يُتّهم فريق المسلسل بالتحيّز إلى العدو، والركض في مضماره، والتنكر للدين أو الوطن، ويُطالب - في هذا السياق - بالنقد الموضوعي، في إشارة من الرافضين إلى أنّ ما قدمه ليس من النقد في شيء، ومن ثم لا معنى لقبوله أو تقبّله !
لا يمكن الحديث في هذه الحالة عن ارتفاع مستوى وعينا في التعاطي مع النقد، لأنّ النقد في الصورتين إما مقبولٌ لأنه يستهدف غيرنا ولا يستهدفنا، وإما مرفوضٌ لأنه يستهدفنا ولا يستهدف غيرنا! (وفي مقالة يوم السبت القادم تفصيلٌ وأمثلة).
- د. خالد الرفاعي