غضب غضباً شديداً إثر شجار بينه وبين زوجه قد تكرر مراراً وظل يأسف على حبٍ يعيّرها به ووفاء بالعهد تَمنُّ عليه فما كان منه إلا أن سمع نصيحة صاحبه بأن يتزوج ثانية لعله يرى الحنان المفقود والحضن الدافئ من جديد ولكن يا ليته لم يفعل! وكأنه ندم ندماً أسف معه على تجربته فالدواء لم يكن ناجعاً فغرق في المشاكل أكثر من السابق فأخذه الحنين إلى سابق عهده وإلى حبّه الأول فعاد بحفاوة غير معهودة وبابتسامة عريضة يزينها بهدية جميلة وقد كتب عليها :
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى
فما الحب إلا للحبيب الأولِ
فردت عليه بعبارة ملؤها الرفض والحذر من مغبة الموافقة وزينتها بأبيات فقالت : لا والله لا يكون ذلك وقد تعود إليها وكأني بك كما قال ديك الجن :
أرغب عن الحب القديـم الأول
وعليك بالمستأنف المستقبـل
نقل فؤادك حيث شئت فلن ترى
كهوى جديد أو كوصل مقبـلِ
قد يكون أمثال هذا من أسلاف التقليديين ولكن كما يقال الحب الحقيقي بعد الزواج فأحب وقد جرّب أن يمزح معه بعفوية فلقي ما لا يرضيه !
وألفرد دي موسيه له في ذلك المزاح الشيء الكثير الذي أمعن وأقذع في مسرحيته ( لا مزاح في الحب ) وعدّ كلّ مشكلة يترتب عنها هجر أحدهما للآخر بمثابة خيانة ووضاعة بينما هو مجمل كلامه أن الحياة والزمن يدوران ويتغيران والإنسان بقسميه المذكر والمؤنث يتغيران ليس من ظروف الحياة فحسب وإنما بظروف اتجاه بوصلة القلوب فجنح للخيال الممزوج بالعاطفة لذلك عدّ اتحاد الجنسين شيئاً مقدّساً إن اتفقا واتحدا ولكنه أخطأ التقدير والوصف فأصبحت نظرته للحياة نظرة تشاؤمية بعيدة عن المزاح ! الرومانتكيون وحدهم يعرفون معنى عدم المزاح مع الحب لأنهم أصحاب قلوب رهيفة ومتيّمة وينظرون إليه نظرة جديّة ملؤها التقديس والإجلال فلا يسمحون بالمساس بشعائر الحب حتى ولو كان عن طريق المزاح ! فإن القلب وهو المضغة الصغيرة التي تحرك الجسم بقبولها بحبوحة الاستقرار والطمأنينة يعني استمرار تدفق الحياة بزخم من المشاعر والأحاسيس العاطفية ، رواية نيللي الار بخلاف ما ابتدأتُ به ولكنه يصب في خانة عدم المزاح مع الحب فالمشاكل الزوجية التي تنتج بعد سلسلة حب مستمرة ووعود وعهود تتلاشى معها التضحيات حين ييأس القلب من مداواة جروحه ويغرق الآخر في غرس معول الهدم العاطفي سواء بالخيانة أو غيرها ويستمر دون توقف فهنا يستحيل الاتفاق إلى خصومة والتنازل عن الخطأ يعتبر عند الآخرين ضعف وعبث ! وليس من جانب المرأة فقط كما صوّرت ذلك بل حتى الرجل أيضاً له نصيب ! فسجلات التاريخ تنبئنا عن كوارث بشرية ومادية تعقب المؤامرات التي يحيكها شيطان الانتقام الذي يبقى متربعاً على قلب المنكسر دون مزاحمة من شفقة أو رحمة وتكون العقول في منأى عن أي حسابات للنتائج التي تترتب عليها تلك المصائب حتى إذا استفاق صاحب العقل الخَرب وجد الأمور قد حُسمت إلى غير رجعة.
- زياد السبيت