فاجأنا العديد من الموسرين المحليين بأعمال خيّرة سافرة مسافرة إلى بعض الأمصار، في مشهد يؤكد إيمانهم بالأممية كدائرة كبرى تجمع البشر والحجر ضمن مشترك إنساني واحد !.
هؤلاء القوم اختاروا لصدقاتهم أماكن قصية ليفيض نهر عطائهم وبرهم إلى دول الجوار متجاوزا الحدود الإقليمية لفقرائنا ومحتاجينا الذين يبدو أن ظروفهم وعوزهم لم تشفع لهم ليبلغوا النصاب من عاطفة ذلك التاجر الذي أناخ ركائب أمواله هناك عند المستضعفين من الرجال والنساء والولدان كما يقول ! .
أغرب تلك الزكاوات كانت لبناء استاد رياضي فى دولة إفريقية !
عدت بذاكرتي وما تيسر لي من فقه، إلى الرياضة وشؤونها وشجونها فلم أجدها من أهل الزكاة، ربما العاملين عليها من اتحاد أو جمهور ولاعبين أصبحوا من وجهة ذلك المحسن أهل لزكاته تلك.
فلا عجب ففقه أولئك المحسنين، فقه نوازل بمعنى أنه فقه يعمل وفق قوانين الطوارئ والأحكام العرفية فيجيز للمحسن المليونيري التصرف في الزكاة وفق قوانين ظروف الزمان والمكان ومتغيراتهما.
فسفر الأموال وفق قواعد ذلك الفقه يعطي للمحسنين فسحة لتوزيع هباتهم وصدقاتهم خارج الوطن، وأمميتهم التي يؤمنون بها تجعلهم في مأمن من أي مساءلة تحرجهم أمام الوطن وإنسانه.
الأموال المهاجرة نأت بنفسها بعيدا عن البطون الجائعة الخميصة والنفوس المترفعة، لتصاحب بطونا شبت بطانا بعد أن كانت خماصا على خيرات هذا البلد ونعيمه. الأقربون أولى بالمعروف وفي عرف المحسنين الجدد الأباعد أولى بهذا المعروف، في مخالفة ومخاتلة للواقع الإنساني وما يفترض أن يجب ويكون الإنفاق من خصال المؤمن ينفق في السراء والضراء والإقطاعيون الجدد يمسكون في السراء ويهاجرون في الضراء، مرسخين ثقافة الجشع والاحتكار.
لك الله أيها الفقير فصدقات أغنيائك المهاجرين تهاجر على بساط الريح خارج نطاقك المكاني لتصافح كما يقال فقراء المهجر ومعوزيهم، وإن كنت أشك أن للفقير هناك نصيبا منها، في ظل إحساس هؤلاء الموسرين بفقرهم الدائم الذي يجعلهم أسرى لطبائع الجشع والبخل والاستبداد الدائمة فوق كل أرض وتحت كل سماء.
- علي المطوع