في البدء أهدي مقالي إلى معلمي ومعلمات اللغة العربية من الجنسين؛ ليحببوا طلابنا وطالباتنا في لغتنا العربية.
قرأت الكثير عن رحلات المستشرقين إلى الجزيرة العربية، وعرفت أن أهداف رحلتهم إما استكشافية أو علمية أو سياسية، ولكن فاجأني البروفيسور ويليام بولك* برحلته مع صديقه إلى صحراء النفوذ بالمملكة العربية السعودية في سبعينيات القرن الماضي. حدث ذلك عندما وقع في يدي كتاب (العبور الشجاع)، الذي أدهشني بسلاسة أسلوبه، ورشاقة لغته لوصف رحلة عظيمة وشجاعة في الوقت ذاته. وقد كتب على غلافه (أمريكيان يعبران الصحراء العربية العظيمة على ظهور الجمال - رحلة جريئة في البحث عن آخر القبائل البدوية). نعم، فقد كانت رحلته مختلفة عن رحلات الرحالة المستشرقين السابقين الذين قرأت عنهم. ويتمثل اختلاف رحلة بولك* في أن معلقة شاعر جاهلي هي التي حركت خطواته من شيكاغو نحو رحلة خطرة عبر صحراء شاسعة على ظهور الجمال.
قرأ البروفيسور ويليام بولك معلقة لبيد بن ربيعة الشهيرة، وأُعجب بها،وفُتن بأبياتها التصويرية للطبيعة الصحراوية، وحياة البدو فيها، تلك الطبيعة التي لمست فكره ووجدانه، ورغب في أن يعيشها.. كان يستدعي رائحة أزهار الصحراء التي يتفتق شذاها بعد المطر، كما لمسه جزع البقرة الوحشية التي فقدت صغيرها.
خَنْساءُ ضَيَّعَتِ الفَريرَ فلمْ يَرِمْ
عرضَ الشَّقائِقِ طوفُها وبغامُها
انطلقت رحلة ويليام بولك مع صديقه المصور الصحفي ويليام ماريس من الرياض عام 1971 م، بدعم من جلالة المغفور له الملك فيصل - رحمه الله -، وكانت الرحلة على ظهور الجِمال عبر صحراء النفود حيث مرَّا بمحافظات عديدة، منها: الخرج، بريدة، الزلفي، المجمعة ووادي الدواسر، متجهَين نحو الشمال لمنطقتَي حائل والجوف؛ ليصلا منها إلى الأردن. استغرقت الرحلة شهرًا كاملاً، وعاش بولك مع صديقه حياة البدو، وشاهدا خيامهم، وشربا القهوة معهم، واستمعا لقصصهم، وتأملا ليالي الصحراء المقمرة، واستمتعا بصباحاتها المفعمة بالحياة، وعرفا نهارات هجيرها وقيظها.. وتداعى لبولك وهو بين قبيلة الرولة وصف المستشرق الأوروبي الذي عاش معهم بأنهم القبيلة البدوية الوحيدة التي اتسمت بالصدق. كما تأمل رفقاء رحلته زامل ورشيد وسلطان وهويمل، وعرف أسرار علاقة البدوي بالصحراء وأمطارها، وقيظها، وكائناتها.
وثَّق البروفيسور ويليام بولك كل ما شعر به وما رآه عبر كتابه (العبور الشجاع)، الذي نشر طبعته الأولى عام 1973م متضمنًا صورًا من الرحلة. وقد تكوَّن الكتاب من خمسة فصول، حملت العناوين الآتية: لا جمال في الجزيرة العربية، تبدأ الرحلة، من الرياض إلى بريدة، من بريدة إلى حائل، عبر النفود العظيمة.
وقد توالت طبعات عديدة للكتاب. ولا يزال الكتاب من الكتب الأكثر مبيعًا في مكتبة الأمازون حتى اليوم.
وقد تبع كتاب العبور الشجاع كتاب (النشيد الذهبي)، وهو ترجمة لمعلقة لبيد بن ربيعة. وتبقى رحلة البروفيسور ويليام بولك دليلاً على دور الآداب في تعارف وتقارب الشعوب، واستكشاف الآخر.
* كاتب، وأكاديمي ودبلوماسي، عمل أستاذًا للتاريخ بجامعة شيكاغو، وأسس مركز دراسات الشرق الأوسط، وعمل رئيسًا للمركز. له العديد من المؤلفات، منها الولايات المتحدة والعالم العربي.
تركية العمري - كاتبة ومترجمة سعودية