حاورها - محمد المرزوقي:
وصفت أول مصورة سعودية وعربية محترفة، سوزان سالم باعقيل، أهم عدسة يحملها المصور بأنها (البصيرة) التي يبصر بها ما حوله؛ لكون الكاميرا آلة كسائر الآلات؛ إذ حصدت باعقيل خلال مسيرتها الفنية (36) جائزة، من أبرزها محليًّا حصولها على المركز الأول في مسابقة «جائزة الأمير سلطان بن سلمان للتصوير الضوئي» للتصوير «البيئي». وأقامت باعقيل (36) معرضًا شخصيًّا محليًّا وعربيًّا ودوليًّا، وهي عضو في (7) جمعيات للتصوير الفوتوغرافي، كما أنها مصورة وكالة «رويتر»، وقد أصدرت كتابها الموسوعي «حرف من الجزيرة العربية»، ضم (300) صورة لحرف الرجل والمرأة، يجسد (90) حرفة، وتنقلت في مختلف المناطق لتوثيقها، وشرحها باللغتين: العربية والإنجليزية، الذي وصفت فاتحة صوره عن كسوة الكعبة والمسجد الحرام بأنه أشبه بالطواف حول الكعبة في السماء، لتصويرها من الطائرة المروحية، بتفاصيل دقيقة واضحة من جميع الجهات، للتعريف بالحرمين، وبالعديد من الشعائر الإسلامية. وقد التقت «المجلة الثقافية» بسوزان باعقيل في هذا الحوار:
* بعد هذا المشوار الاحترافي الطويل، ما هي (الكاميرا) في حياتك؟
إن الكاميرا هي عيناي التي أرى بهما، بها أحدث العالم بمختلف لغاته؛ فبالكاميرا أتحدث أبلغ لغة، وأقدم بلغتها أهم القضايا، وأعبِّر عن أدق التفاصيل، التي أستطيع بها أن أنقل أدق تفاصيل المشاعر الإنسانية، من خلال لحظات إنسانية معبِّرة. والكاميرا هي التي بضوئها أقدِّم رسالتي تجاه ديني، ووطني.. هي الكائن الذي لا تحتاج لغته إلى ترجمة؛ ولذلك فلغتها (الصورة) أمانة.
* ما أبرز أدوات المصورين إلى جانب كاميراتهم وعدساتهم المختلفة؟
الإضاءة، فتحة العدسة، السرعة، الوعي بالفكرة واللحظة، الأبعاد والتكوين.. إلا أن أولى الأدوات (رؤية) المصور المحترف، التي يجب أن يسبقها حس المصور وإحساسه المستعد للحظة التي ربما لا تتجاوز الثانية؛ فالصورة وعي بموقف وفكر ضوئي، ورسالة لهدف ننشده من كل صورة.
* ما الطرق التي تقدمين من خلالها رسالتك الفنية؟
أحاول ما استطعت أن أنقل خبراتي من خلال احتكاكي بالمصورات من خلال التشجيع، رغم أن طريق احتراف التصوير مكلف جدًّا، إلى جانب تقديم رسالتي من خلال الصورة التي أقدمها للمشاهد عامة، والمصورين خاصة، من خلال تصوير للبُعد (الإنساني)، سواء كان فردًا كتصوير فقير أو طاعن في السن في لحظة معينة، أو تصوير (قضية) من خلال ما يلامس الهموم الاجتماعية المختلفة، أو تقديم رسالتي عبر ما أقدمه من دورات تدريبية في التصوير، إلى جانب تقديم رسالتي من خلال التبرع بريع بعض لوحاتي للجهات الخيرية، كصورة اسم (الله) بطريقة مضيئة، التي بعتها بمبلغ (100000) مئة ألف ريال، تبرعت بها لإحدى جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، فيما أنشأت «معهدًا» للتصوير الاحترافي الذي أقدم منه كل خبراتي بشكل أعمق وأوسع، وقد تخرج منه أكثر من (200) مصور ومصورة، إلى جانب تقديم رسالتي من خلال المعارض التي أقيمها. فعلى سبيل المثال: طلب مني السفير الإيطالي، خلال إقامتي معرضين فيها، أن أقيم معرضًا «ضوئيًّا» عن إيطاليا، بعيون فنانة عربية؛ ما جعلني أحس بأني قدمت رسالة لوطني من خلال ذلك المعرض، أو إحدى صوري التي فازت في «المنظمة العالمية لحقوق الإنسان» عن المرأة والتعليم، كما سأتبرع بريع موسوعتي الثانية لبناء مدرسة في إحدى قرى دوعن.
* لقبت بألقاب عدة، فما الذي تعنيه الألقاب لك بين الإحساس بالنرجسية أو المسؤولية؟ أم أنها عبارات عابرة؟
لا يمكن أن تكون الألقاب لي عبارات عابرة؛ فقد لقبت بها بلقب «الفارس» الذي لقبت به خلال إقامة معرضين في بريطانيا، و«مصورة سيدات البيت الأبيض»؛ إذ كلفت في العديد من المناسبات بتصوير زيارات عدة لـ«رولا بوش» و«هيلاري كلينتون» وغيرهما من الشخصيات الرسمية، ولقبت - أيضًا - بـ«قاهرة الجبال» لإصراري على تصوير أدق التفاصيل حتى في الأماكن الطبيعية الشاهقة أو الصعبة، وهي مما يزيد حرصي واهتمامي لا نرجسيتي.
* حدِّثينا بإيجاز عن إصدارك الثاني «موسوعة بلاد الحضارمة».
بدأت في العمل على هذه الموسوعة (بلاد الحضارمة) منذ عام 2005م، واستغرق مني الانتهاء منها عشر سنوات، وثقت فيها مختلف بلاد الحضارمة في اليمن، وضمت (63) مدينة وقرية، و(1000) صورة، ترصد حياة الإنسان، وذاكرة المكان، بما في ذلك توثيق لمناسبات لعادات اجتماعية وتقاليد شعبية، إلى جانب الأزياء، والحرف.. وقد خضع توثيق صور الكتاب إلى مراجعة من قِبل مختصين، وقد حرصت على أن تكون التعليقات على الصور باللغة العربية، وبالإنجليزية؛ ليكون أكثر مقروئية لدى الآخر؛ إذ قامت إحدى الهيئات اليابانية بتدريس التراث العربي من خلال كتابي الحرف اليدوية في الجزيرة العربية» الذي وثقت صوره بالعربية والإنجليزية.
* إلى أي مجال وجدت المصورات يتجهن إليه؟
لاحظت من خلال الدورات التي أقمتها الاهتمام بتصوير الأزياء فالأفراح ثم الأطعمة، يليها تصوير الطبيعة؛ إذ تأتي الاهتمامات ضمن الأولويات للفتيات المتدربات على فن التصوير.
* ما قصة العقال الذي أصبح مكونًا رئيسًا لزيك الخاص؟
العقال من التقاليد العربية عامة، والسعودية خاصة؛ ما جعله موروثًا أعتز به أن يكون ضمن ما أرتديه كسعودية، إضافة إلى كون العقال يساعد على تثبيت طرحتي؛ لكوني في جولاتي أكون دائمًا مشغولة بحمل الكاميرا والعدسات.
* ماذا عن بعض ما صحب الموسوعة من طرائف؟
منها عندما كنت في وادي دوعن، فكان الأطفال ينشدون:
يا حضرموت افرحي
سوزان بتصورك
أما الطرفة الأخرى فقد كنت مصرة على أن تكون المترجمة معي في جولاتي لتقدم ترجمة عميقة لما ستشاهده معي قبل أن تراه صورًا؛ لكوني اعتمدت في الموسوعة على «المسح الميداني» لحضرموت كافة؛ ما جعلها تستغرق عشر سنوات، إلا أن المترجمة الأمريكية (كاتارينا كويكر) فاجأتني ذات يوم بقولها: لقد أصبح اسمي سكينة باكويكر؛ لما قضته معي من أيام طيلة زيارات كثيرة لمختلف بلاد حضرموت.
* بعد إنجازك الموسوعة الثانية، ما الذي تعدين له ضمن أولوياتك المقبلة؟
سأشتغل على موسوعة مصورة عن المملكة، التي سيكون في مقدمتها الحرم المكي الشريف، ومحافظة جدة؛ لما أمتلكه من أرشيف ضخم عن الكثير من تفاصيل توسعة الحرم المكي، وما احتفظ به من ذاكرة (ضوئية) عن جدة الإنسان، وجدة المكان في مختلف المجالات الحياتية.