سعد بن عبدالعزيز الجنوبي
تتعدد المفاهيم حول الحوكمة في الأدبيات المعاصرة، وتتباين وفقا للرؤى المجتمعية حول تطبيقها بما يُوائم المعطيات الثقافية والسياسية والاقتصادية لكل مُجتمع، وكُلها تلتقي في أنها عملٌ مُوجّه لضبط العلاقة بين الأطراف الأساسية، بهدف تحقيق الجودة والتميز في الأداء.
هذا وبالنظر إلى الحوكمة في مسيرة التراكم الحضاري للإنسان نجد أنها محاولة لتجاوز محددات العقل البشري في الإدارة والسيطرة والتنسيق والإشراف ..إلخ، بعد أن قطعت الإنسانية شوطاً كبيرا في بحثها لإيجاد ما يحاكي العقل البشري ويسانده من خلال ما وصل إليه التقدم في مجال الحاسب الآلي ببرمجياته المختلفة، وذلك بتسخير ما انتهى إليه التطور في الممارسات الإدارية وتقنيات الحاسب الآلي كروافد لمنظومة تحاكي هيمنة العقل البشري في السيطرة والهيمنة على كافة الوظائف ومخرجات الأداء.
وبمتابعة نشوء وتطور مفهوم الحوكمة على واقع مجتمعنا السعودي للنظر في مدى تقبل تربة هذا المجتمع لهذه النبتة ومدى توفر مقومات الحياة فيها لرعايتها لإخراج نبتة هجينة تتواءم مع محددات هذا المجتمع، نجدها بدأت ممارسةً في القطاع الخاص من خلال «حوكمة الشركات»، حيث وجد المفهوم حاجة قائمة له في تعثر بعض الشركات فكانت الحوكمة إضافة للوعي وللممارسة، للمساعدة في تنظيم العلاقة بين المساهمين وإدارات هذه الشركات انطلاقا من أهمية المساهم كطرف رئيس في العلاقة فهو المالك للشركة، لذلك أتت الحوكمة أداة من الأدوات وتقنية من التقنيات التي يتم توظيفها لتجويد العمل وتطويره.
والآن والسعي حثيث لنقل هذا المفهوم بإطاره الواسع للقطاع العام نجد أن الموضوع أكثر تعقيداً بحكم أن العلاقة بين الأطراف المعنية متجذرة على نسق معين في الموروث والممارسة وتمس فلسفة الدولة والأسس التي تقوم عليها، وعليه فإن التوجه لتوظيف هذا المفهوم في القطاع العام يمكن أن يتم من خلال بعض المضامين التي تلتقي مع فلسفة الدولة وأسسها لضمان جودة العمل وتطويره.
أما في القطاع الثالث غير الهادف للربح أو التطوعي فالبعض يرى أنه «لا يزال بعيداً عن تحقيق أهم معايير ومبادئ الحكم الرشيد «الحوكمة» حيث أن العلاقة بين الأطراف المعنية تقوم على أسس ومعايير مختلفة، تجعل السير في مجال الحوكمة أكثر تعقيداً وصعوبة.
ولأن الكمال والإبداع لله وحده، في إحكام صنعه في المنظومة الكونية يمكن القول إنه في نسبية هذه الحياة فإن الحوكمة محاولة لاستشعار الكمال في العمل والسير في اتجاهه لتحقيق المزيد من غايات الاستخلاف في هذه الحياة للبشر..