د. عبدالحق عزوزي
عين العاهل المغربي الملك محمد السادس، الحكومة الجديدة برئاسة سعد الدين العثماني، بعدما تعذر تشكيلها من قبل عبد الإله بنكيران (رئيس حزب العدالة والتنمية) لمدة فاقت خمسة أشهر.
وكان العاهل المغربي، في 17 مارس/ آذار الماضي، عين سعد الدين العثماني رئيس المجلس الوطني (أعلى هيئة) لحزب العدالة والتنمية، رئيسًا للحكومة، وكلفه بتشكيل حكومة جديدة، خلفًا لعبد الإله بنكيران رئيس الحزب، ورئيس الحكومة السابق، بعدما تعذر تشكيله للحكومة.
وأعلن العثماني، في 25 مارس/ آذار الماضي، التوصل إلى تشكيل ائتلاف حكومي يضم 6 أحزاب، بينها حزب «الاتحاد الاشتراكي»، الذي سبق أن رفض بنكيران ضمه لحكومته.
وأشار العثماني وقتها إلى أن «الائتلاف الحكومي يضم إضافة إلى حزب العدالة والتنمية (125 نائبًا من أصل 395 نائبًا بالبرلمان)، التجمع الوطني للأحرار (37 مقعدًا)، والحركة الشعبية (27 مقعدًا)، والاتحاد الاشتراكي (20 مقعدًا)، والاتحاد الدستوري (19 مقعدًا)، والتقدم والاشتراكية (12مقعدًا). وينص الفصل 47 من الدستور المغربي، على «تعيين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي يتصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب (البرلمان)، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها»
هناك أربع نقاط أود التوقف عندها:
- أن العاهل المغربي محمد السادس ملك يحترم الشرعية الانتخابية ورغبة الشعب، لأن المغرب هو دولة أحزاب سياسية، فعندما قرّر تعيين شخصية أخرى من حزب العدالة والتنمية في منصب رئيس الحكومة المغربية أي الدكتور سعد الدين العثماني، بعد عجز عبد الإله ابن كيران، الأمين العام للحزب، الذي سبق أن عيّنه ملك المغرب رئيسا للحكومة، عن تشكيل هذه الأخيرة، فقد اتخذ هذا القرار بصفته الساهر على احترام الدستور وعلى حسن سير المؤسسات، والمؤتمن على المصالح العليا للوطن والمواطنين، وحرصا منه على تجاوز وضعية الجمود الحالية، وفي احترام تام للدستور المغربي، أي القانون السامي للبلد، وبخاصة الفصل 47 من الدستور، ولا يشترط الفصل أن يكون رئيس الحكومة المعيّن هو من يتولى زعامة الحزب الفائز. ونعلم أن ملك المغرب سبق له أن بادر بالإسراع، بعد 48 ساعة من الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية لسابع أكتوبر 2016، بتعيين السيد عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة، وسبق له أن حث رئيس الحكومة المعين، عدة مرات، على تسريع تكوين الحكومة الجديدة...
- أن حزب العدالة والتنمية لا يسير الحكومة لوحده؛ فمن يسمع عن تواجد حزب مثل حزب التقدم والاشتراكية بجواره في الحكومة، يفهم أن الإسلاميين في المغرب ليسوا هم إسلاميو المشرق؛ وأن المحددات وطريقة التكوين ومسار النضج يسمح لنا بالتأصيل لهاته الفكرة، وقد أجاد مدير مركز الأهرام الدكتور ضياء رشوان مؤخراً في الملتقى السنوي الأخير لمركز الإمارات في أبو ظبي في طرح هاته الملاحظة. فعموما الحكومة الحالية هي مؤلفة من ستة أحزاب هي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري والتقدم والاشتراكية إضافة إلى تواجد بعض التقنوقراط.
- المغرب هو الدولة المغاربية الوحيدة التي منعت منذ استقلال المغرب نظام الحزب الواحد، كما أن ملك البلاد امتنع عن الانتماء إلى أي حزب سياسي لأن ذلك كان سيخالف محددات الشرعية القائمة في هذا البلد والمبنية على رباط تاريخي بين العاهل والشعب يعبر عنه في احتفال البيعة الذي تقيمه الأمة/ الجماعة بكل مكوناتها إضافة إلى سلالته الشريفة؛ وهذان العاملان يعطيان لملك المغرب شرعية تاريخانية ومؤسساتية دينية تنزهه عن الصراعات والتحزبات التي يمكن ان تعرفها الأمة/ الجماعة؛ ثم إنه مع الأحداث التي عرفتها العديد من دول المنطقة، كانت الأرضية السياسية والمؤسساتية جاهزة للانتقال بالتجربة الدستورية المغربية إلى ما سميته مع فقيه القانون الدستوري أندري كابانيس بدستورانية الجيل الرابع، أدخل المغرب إلى مدرسة الدول المعروفة «بالانتقال الميثاقي» وهنا يتجلى الحس الاستباقي للمؤسسة الملكية في دولة الأحزاب، وهو أن التجاوب كان انطلاقا من انتظارات الشباب وليس انطلاقا من مآخذ الأحزاب المحدودة ومطالبها.
- على حزب العدالة والتنمية أن يتوفر على الشجاعة الكافية والذكاء الإيديولوجي والفكر الضروريين في القرن الواحد والعشرين لتغيير «منطقه الإيديولوجي» نهائيا ليصبح قولا وفعلا وفي مراجعه المسطرة حزبا يمينيا محافظا، لأن للدين يجب أن يبقى للجميع، كما أن عمله السياسي في السنوات الأخيرة يوحي إلى أنه يميني محافظ، وتلزمه فقط الشجاعة الكافية لتجذير ذلك قولا ومرجعا.