سمر المقرن
هل لنا أن نحدد معايير الصح والخطأ؟ هل هي معايير ثابتة أم متغيرة بحسب المواقف والظروف؟ هل هي معايير تختلف بحسب الزمان أو المكان؟ هل هي معايير تختلف من ثقافة لأخرى ومن شعب لآخر؟ يولد الإنسان فارغاً ويبدأ يجمع من محيطه الخبرات والمكتسبات، ولعل الصح والخطأ هما من أوائل الخبرات التي تظهر مع وعيه ويأخذها عن أمه وأبيه، لأن هذه التعليمات هي التي تحدد كيانه الأخلاقي مدى الحياة، هذا في حال أخذ الإنسان تدرجاته الطبيعية في النشأة، إذا ما جاء دخيل خارجي أفسد أو غيّر شيئاً منها.
معايير الصح والخطأ محاطة بالبيئة، هي مجموعة من المعايير المأخوذة من الدين والمعتقد والعادات والتقاليد، وبالتالي فإن الخروج عليها يعتبر في مقاييس المجموعة (خطأ) مع أنه لدى مجموعات أخرى قد يعتبر أمراً طبيعياً، بينما عند المجموعة الأصلية يعتبر أمراً خارجاً وغير مألوف ومستهجناً. برأيي أن أي خروج عن المألوف قد يكون له كثير من الوجوه الإيجابية، المهم أن لا يتعارض هذا الخروج على الثوابت الدينية والأخلاقية، عدا ذلك فإن الاختلاف نعمة ويحمل جوانب صحية كثيرة للمجتمعات، ويدعم عملية التغيير المطلوبة والإيجابية لأي مجتمع. المهم أن يأتي هذا الاختلاف بشكل سلمي دون عنف أو حتى ضرر لأطراف أخرى، بمعنى أن الإنسان الذي يختلف عن السائد في مجتمعه، عليه أن يضع في حساباته الأشخاص حوله والمقربين منه أن لا يطولهم أي ضرر جراء شذوذه عن السرب!
هناك أمر مهم جداً في عملية الصح والخطأ، هو وجود الاعتقاد بالمثالية، وهذا أمر في حقيقته واقع يعتبر ضرباً من ضروب الخيال وحالة فانتازية تعتقدها -بعض - المجتمعات، لأنه لا يوجد مجتمع مثالي، بل لا يوجد إنسان مثالي، لأن طبيعة البشر والفكرة التي تقوم عليها الإنسانية تتنافى تماماً مع المثالية، ومن الاعتقاد بالمثالية تخرج معايير الصح والخطأ في الغالب، لذا هل هذه المعايير صحيحة؟ هل هي قابلة للتطبيق؟ أقصد هنا التطبيق الفعلي وليس الشكلي، التطبيق من الداخل وليس أمام الناس فقط!
الصح والخطأ عالم عميق، وتاريخه طويل منذ أن بدأت الخليقة بآدم وحواء والتفاحة المحرمة، لذا فإن المقاييس تتغير لكنها تبقى أسيرة السائد والمتشابه.