سلمان بن محمد العُمري
ثمّة مجموعة من الموضوعات المثيرة تدخل دائرة الجدل والاشتباك الاجتماعي قولاً وعملاً والحديث عنها وتناولها من أي زاوية شرعية أو اجتماعية أو اقتصادية أو صحية يشكّل قلقاً لما يتبعها من إرهاصات وتجاذبات في وجهات النظر بين القبول والرفض ومبرّراتها لدى الطرفين، وأحسب أن تناول موضوع "تعدّد الزوجات" في مقدّمة هذه الموضوعات، وقد جرّبت "وجع الرأس" حينما أشرت في هذه الزاوية لهذا الموضوع قبل عدّة سنوات، وأذكر أنّني تلقّيت سيلاً من الرسائل عبر البريد الإلكتروني والهاتف المحمول بين مؤيّد للطرح ورافض له قبل التأييد والرفض لما جاء في المقال فمجرّد الحديث عن هذا الموضوع كما أشرت سيدخلك إلى "دائرة الاشتباك الاجتماعي".
لقد جدّد طرح الموضوع مع ذكريات جرح الماضي وهواجيسه ما أثير في بعض وسائل الإعلام عن مقترح طرحته أكاديمية سعودية وطالبت فيه بتأسيس أكاديمية للتعدّد تقوم فكرتها على تزويج الشباب من الآنسات والمطلقات والأرامل للقضاء على ظواهر العنوسة وبقاء الأرامل والمطلقات دون زواج، وبكل تأكيد سيلقى طرح هذه الأكاديمية آراء متباينة بين المؤيدين والرافضين وسيكون جزءا من حديث المجتمع في المجالس العامة والخاصة وستتجاذبه أجهزة الاتصالات بالرسائل والتعليقات.
وجميل بحث هذا الموضوع من قبل متخصصين في الدراسات الشرعية والاجتماعية والطبية وتبيان الأثر الإيجابي على التعدد لا على الفكرة لأن ما أباحه الله وما أقرّته الشريعة يجب ألا يخضع لدراسات القبول والرفض، ولكن الدراسات تبحث الآثار الإيجابية وتبحث أيضاً ما يصاحب التعدّد من ظلم وإجحاف وعدم العدل والآثار السلبية الناتجة عن ذلك، وهذه الدراسة أو المقترح بكل تأكيد لم يكن الأول ولن يكون الأخير، ولكن المختلف في هذا الطرح الذي تقدّمت به الأكاديمية السعودية في أنّه دعوة صريحة لمعالجة ظواهر اجتماعية وقبل ذلك علاج شرعي للتحصين والعفاف، وكذلك التكافل الاجتماعي والاقتصادي بين أفراد المجتمع.
لقد شرعت الشريعة الإسلامية التعدّد بنصوص صريحة من الكتاب والسنة، وفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعل الصحابة والتابعين من بعده بشرط توفير العدل بين الزوجات، والأديان السماوية السابقة كانت تبيح التعدّد، وما طالبت به الأخت الكريمة يتّسق وتعاليم الشريعة، وفي ديننا ولله الحمد العلاج لمشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية والصحية كافة، وبهذا المشروع يتحقّق فوائد متعدّدة، شريطة أن يقترن مع هذا المشروع نشر الوعي لدى المجتمع في مفهوم تعدّد الزوجات وتبيان محاسنه والإشارة إلى الآثار السلبية في تعدّد الزوجات ليس من التعدّد في الأصل وإنّما من جهل الأفراد المعدّدين بفقه تعدّد الزوجات وبأحكام الشريعة.
إنّني أؤكّد مرة أخرى على حساسيّة هذا الموضوع والتطرق إليه فضلاً عن تبنّي الآراء والإعلان عن الموقف منه وتأييده، وفي الوقت نفسه أقول إن هناك العديد من العوامل التي شوّهت صورة التعدّد لعلّ في مقدّمتها الأخطاء التي تقع من بعض المعدّدين في ظلم الزوجات سواء الأولى أو الأخرى، وكذلك التشويه المتعمّد من قبل وسائل الإعلام على مدى عقود من الزمن ثم قسوة المجتمع ونظرته السلبية للمرأة التي تزوّج عليها زوجها، وليس لأحد أن يبدي وجهة نظره في أمر شرعه الله برفض التعدّد جملةً وتفصيلاً، وفي التعدد مع الإعفاف والتحصين وسعادة الزوجين سلامة للمجتمع من الانحراف والجريمة وغيرها من الضرورات وجلب المصالح ودرء المفاسد مما يؤكّد عظمة الشريعة الإسلامية في التعدّد، وإنّني مع ما طرحته هذه المرأة وغيرها من الطرح العلمي الهادف، وأتمنى بالفعل قيام جمعيات ومبادرات خيرية واجتماعية في تشجيع التعدّد لا لمجرّد التعدّد عبثاً أو نزوة عابرة أو تقليد أو علاج مؤقّت لمشاكل اجتماعية بل لبناء أسر كريمة وبيت زوجية متعددة يسكنها المودة والألفة والمحبة وسبيلاً للسعادة والعفاف والتكافل. والله من وراء القصد.