محمد آل الشيخ
يحتج عليَّ كثيرون، وبعضهم بعنف، عندما أُعبِّر لهم عن إعجابي إلى درجة (الانبهار) بالحضارة الغربية المعاصرة، والتي تقودها أمريكا؛ فأنا على قناعة أن تلك الحضارة أعظم حضارة إنسانية عرفها البشر على وجه الأرض.
ويقولون إن هذه الحضارة حضارة (عرجاء، ترتكز على ساق واحد، وليست حضارة متكاملة ومتوازنة كما يجب أن تكون الحضارة، أو - على وجه التحديد - كما كانت الحضارة العربية الإسلامية، حيث كانت توازن بين الانشغال بالحياة الدنيا والانشغال بقضايا ما بعد الموت، إضافة إلى أن الحضارة العربية الإسلامية تهتم بالقيم الأخلاقية اهتمامها بالمنجزات الخدمية الدنيوية.
وأنا عندما أصف حضارة الغرب بأنها أهم حضارة عرفها الإنسان، أعني بها على وجه التحديد الحضارة الدنيوية، التي تعنى بخدمة البشر، وتعمل على توفير حياة الرفاه لهم، وتسهيل دنياهم في كل ما يتعلق بحياتهم الدنيوية بشكل خاص.
وهنا أتحدى أي باحث موضوعي، وغير مؤدلج، ينطلق من شواهد ملموسة، أن يُثبت عكس ما أقول.
أما مسائل الدين، وحياة ما بعد الدنيا، فهذه أمور دينية، وليست حياتية، ولذلك فهي خارج المشهود والمحسوس في الحياة الدنيا.
أريدهم أن يكونوا محايدين، ويتخلصون من التراكمات العاطفية التي غالباً ما تتحكم بقرارات كثير من العرب والمسلمين وأحكامهم، ويجيبونني: هل يمكن مقارنة منجزات حضارة الغرب اليوم، بأي حضارة لأمة سابقة؟.. الإجابة طبعاً وبكل صدق ودقة ستكون حتماً: (كلا)، وضع نقطة في نهاية السطر.
لذلك فإنني أعتقد جازماً أن ما يذهب إليه البعض في نقد بعض مثالب الحضارة الغربية، خاصة في بعض القضايا المتعلقة بمفهوم (الأخلاق) المختلف من أمة إلى أخرى، قد تكون انتقاداتهم صحيحة، إذا تناولنا تقييمها بمعايير موروث العرب المسلمين، ورؤيتهم للأخلاق المقبولة والمرفوضة مثلاً، أما إذا قستها بمعاييرهم هم، فقد لا تكون من خلال هذه القياسات مرفوضة على الإطلاق، كما هو الأمر مثلاً في القضايا التي تشترك في رفضها جميع الحضارات الإنسانية، مثل الظلم والغش والسرقة والكذب وخيانة الأمانة ونحوها. فمثل هذه المشتركات الأخلاقية الإنسانية بين الثقافات تُقرها الحضارة الغربية المعاصرة مثلما تقرها الحضارات الأخرى التي عرفها البشر بما فيهم المسلمون.
النقطة الثانية، والتي لا تخلو من تناقض مضحك لدى العاطفيين العرب، تنطوي على (الزعم) بأن حضارتنا السالفة كانت الأفضل والأكمل، في حين يسعى قادتنا إلى وضع الخطط (التنموية) وتخصيص النفقات المالية التي من شأنها الإسهام في إنقاذ مجتمعاتنا من التخلف؛ ليثور السؤال المحرج لكثير من مثقفينا، وبالذات (المتأسلمين) منهم، إذا كانت حضارة الغرب ومنجزاتها (رجس من عمل الشيطان) كما يزعمون، فلماذا التنمية إذاً، ولماذا نسير وراء خططهم وفلسفتهم، لعل وعسى أن نُحقق في المستقبل ما حققوه؟.. فطالما أن تلك (حضارة شيطانية)، عرجاء، فلنبقَ إذاً على (طمام المرحوم) لا نبرحه!!
سادتي الأفاضل: إن من أصعب المصاعب في هذه الحياة نقد (الأنا) بحياد وموضوعية، وإعادة قراءة الموروث القريب والبعيد قراءة عقلانية، لنواجه واقعنا المرير بالاستفادة من منجزات الآخر.
إلى اللقاء.