د.محمد بن عبدالرحمن البشر
لو قلبنا صفحات التاريخ، لوجدنا أنه لا يخلو من حروب هنا وهناك، تزيد تارة وتنقص أخرى، ويشتعل الحريق في مكان، وينطفئ برهة من الزمن في مكان آخر، لم يخلو قرناً واحداً من حروب ومآسي، رغم أن الأديان السماوية جميعها، تنتهى عن الحروب الا أن المؤمنين بها كثيراً ما يتعرضون إلى اعتداء من مختلف معهم أو مخالف لهم في نهجهم من بني جلدتهم.
الحروب حدثت من القدم عند الفراعنة والهكسوس، والأشوريون، والبابليون، والسريانيون، والأنباط، والأنبار، وغيرهم من الأمم التي كانت تقطن في منطقتنا.
وفي أقصى العالم، في الصين رغم عزلتهم سطرت لنا كتبهم أنهم جربوا النظام العشائري، والملكي، والأمبراطوري، والجمهوري، وكل هذه الأنظمة المتعاقبة حدثت أثناءها، وعند الانتقال من نظام إلى آخر، الكثير من الحروب والمآسي والقتل والدمار، رغم أن بعضها قد دام حكمه خمسمائة عام، والبعض أقل من ذلك بقليل بسبب نزاعات داخلية ومنافسات، للوثوب إلى السلطة، ورغم تسيد قومية هان الكبيرة، إلا أنها لم تخل من غزو أجنبي ممثلاً في أسرة «يوان» المنغولية، وهي من سلالة جنكيز خان، ودام حكمها مائة عام، وأسرة «تشنغ» وهي أسرة من قبيلة «منشوريا» التي عاشت في شمال شرق الصين، وحكمت الصين نحو مائتين وسبعة وستون عاماً، وهي آخر إمبراطوريات الصين، وقد أطاح بها الحزب الوطني، وتلاه الحزب الشيوعي، وكل ذلك صاحبه حروب طاحنة، ومديدة.
إسبانيا حكمها الإسبان الأصليون، والرومان، والقوط، ثم شارك المسلمون في حكم الشمال والجنوب، ثم انحسر نفوذهم في الجنوب، كل ذلك صاحبه حروب، وويلات، وأحزان، وطرد وتهجير للمسلمين، بينما لم يهجر المسلمون أحداً بسبب عرقه أو دينه.
في أوروبا كانت الحال أسوأ من ذلك، وفي أمريكا حدثت الحروب بين قبائل الهنود الحمر، وبعد مجيء الأوربيين وغيرهم إليها، فقد صاحب سلاحهم سلاح فتاك آخر، وهو دخول أمراض لم تكن سائدة في أمريكا المعزولة، ولم يكن لدى السكان الأصليين المناعة الكافية، فكان الموت يقع بسبب مرض بسيط .
أستراليا أثناء وجود «البرجنيز» وبعد وصول الوافد الجديد حدثت الحروب، وكذلك كان في نيوزيلاند وغيرها.
استمرت الحروب والمآسي، وكانت الاديان السماوية أرحب صدراً، وأبعد عن القتل، وأقرب للتسامح لأنها جاءت لخير البشرية، لكن النفس البشرية التي لم تشبع بالإيمان الحق، سارت في دروب القتل والدمار.
الحروب الحديثة لا سيما الحرب العالمية الأولى والثانية، كانت أكثر مظاهر القتل والدمار التي أصيبت بها البشرية، نظرا لقدرة الأسلحة على الدمار، وتخريب الديار، وربما لو جمع ما قتل من بشر خلال آلاف السنين لا يساوي من فعلته تلك الحربين من مآسي، وما خلقته من آلام.
الحروب قد تقوم بسبب الدفاع عن رأي كما كانت تفعله الشيوعية، وأتباعها، عندما كانت حاضرة في الميدان، أو ما كانت الجهات المنافسة تقوم به لمنعها من الانتشار، لكنها لم تصل إلى حد ما فعلته الحربان العالميتان، رغم أنها لم تقم على دفاع عن مبدأ، وإنما طمع في توسع الهيمنة والسيطرة.
لذلك فإن أقسى الحروب هي تلك التي غايتها الهيمنة، فالطامع في المزيد لا يتوقف عند حد، وشتان بين الطامع في مزيد من الخير، وآخر طامع في نشر الأذى، وحروب المبادئ في الغالب يكون لديها قيم، أما نسبة ضئيلة أو كبيرة طبقاً لمتخذ القرار، لكنه يظل قتالاً يموت بسببه الكثير.
اليوم تشهد منطقتنا ربما بخلاف سائر مناطق العالم حروب تثيرها دول مثل إيران، ليس لها غاية سوى الهيمنة، وهذه لا تقف عند حد، ولا يلجمها سوى الرد . ولها أدوات مختلفة، وأعوان مؤتلفه، تلهث وراء المطامع، عند كل فخر سما طالع، وقودها الحسد، وأملها طويل الأمد، ولو أنفقت على مثلهم ملئ الأرض ذهباً، فلن تجنى من ورائهم رطباً، ويكفيك منهم مع مراعاتهم، أن يكفونك شر أنفسهم، وبواطن مآربهم، ويقول الشاعر:
كل العداوات قد يرجى براءتها
الاّ عداوة من عاداك عن حسد
الحسد ليس في صاحبه من حيلة، سوى الاستعاذة بالله من شره، والفطنة لتجنب مكره وكره، وقانا الله شر الأشرار وحفظ الله لنا القيادة والديار، وأدام علينا لطفه، ورحمته وعزه.