زكية إبراهيم الحجي
ليس بعيداً أن يتحول بعض أولئك الذين يدعون إلى السلام الآن إلى دعاة للحرب عندما تثار مشاعر العداء لديهم، بفعل عرض أحادي الجانب للشر والعداء، ومن السابق لأوانه أن نجزم بحقيقة ذلك.. لكن عندما تتعدى الطموحات المساحة الضيقة ويصل عدم الرضى بقبول دور محدود هنا تحدث المنعطفات المحمومة حول لعبة الشطرنج ولكن على أرض الواقع عندما نُقلِب الملفات السوداء في تاريخ الدول والأمم نصعق مما تحفل به من صور العداء والصراع والقتل والتهجير والتنكيل ونهب الثروات وحروب الإبادة الجماعية حتى الأوطان لم تسلم من التقسيم.. والنهاية فالانتهازي القوي هو من يكون حظه الأوفر من الكعكة، وواقع عالم اليوم يشير إلى أننا أمام مناطق صيد قد يتم تقاسمها بين المفترسات الكبيرة أو ربما تصبح تحت هيمنة أقوى المفترسين إذا لم نستيقظ من سباتنا الذي طال كثيراً.
اللافت أن هناك دولاً تتمحور توجهات السياسة فيها حول شخصية وشخص رئيس الدولة، وبالتالي لا يمكن لأحد من أعضاء حكومته أن يتكهن ما الذي قد يفعله في لحظة حاسمة.. ويبدو أن هذا الأمر ينطبق تماماً على رئيس روسيا اللغز المحير «بوتين».
بوتين الذي قتل النازيون الألمان جدته بتهمة الاتصال برجال المقاومة الروس.. كانت العصا لا تنفك من يديه في صغره وشبابه.. العصا ملاصقة له يستخدمها لقتل الفئران والجرذان على درج المبنى الذي كان يقطنه مع والديه.. وهناك مقولة للرئيس الأمريكي «روزفلت» حيث يقول: تكلم بصوت ناعم واحمل عصاً غليظة.. اليوم نشهد بوتين زعيم روسيا وعدو أمريكا هو من يطبق مقولة الرئيس الأمريكي روزفلت، ولكن ليس بلغة ناعمة بل بلغة التهديد والتلويح بالعصا حيث تعود على حمل العصا من صغره.. ويبدو أن مغامرات بوتين هي بمثابة عودة للتطلعات الجيوسياسية الروسية الممتدة ليس فقط لعهد الاتحاد السوفيتي قبل انهياره وتفككه بل لقرون حكم القياصرة.
أحلام بوتين الأقرب إلى الكوابيس جعلته يتخذ من منطقة الشرق الأوسط ميداناً لتحقيق طموحاته الوهمية، ويبين للعالم أن الغياب الروسي عن المشهد الدولي قد ولى.. ومن هذا المنطلق وضع نفسه في قلب المشهد من خلال تدخله المباشر في سوريا رغم أن علاقة موسكو مع النظام السوري ليست جديدة بل تعود لعقود ماضية وذلك خلال فترة حكم حافظ الأسد.
إن ما يدور في ذهن هذا الرجل هو إعادة إحياء الإمبراطورية الروسية القديمة واستعادة ما كان لروسيا سابقاً والذي كان واحداً من أولئك الذين نالهم فرصة الهيمنة عليها.. أحلام تحولت إلى كوابيس يدفع ثمنها الشعب السوري.. فهل هناك توسيع للدائرة أكثر تدور في ذهن هذا الرجل الانتهازي الغامض الذي ينجر وراء الأحداث دون التفكير في العواقب.