أ.د.عثمان بن صالح العامر
بمناسبة اليوم العالمي لعلاج مرض الاكتئاب «7 أبريل»، الذي انعقد هذا العام تحت شعار (الاكتئاب: دعونا نتحدث عنه) كتبت مقال الثلاثاء الماضي عن الأمراض النفسية عموماً والاكتئاب على وجه الخصوص التي بدأ يكثر في مجتمعاتنا المحلية لأسباب عدة ذكرت طرفاً منها الثلاثاء، وكنت أظن ألاّ رجعت لهذا الموضوع مرة أخرى إلا أنني قراءت وسمعت أخباراً صاعقة وأرقام مهولة جعلتني مجبراً للعودة إليه مرة أخرى، خاصة بعد أن مر بي هذا المساء خبر دراسة أنجزها الدكتور علي بن صحفان الزهراني الأستاذ في جامعة الطائف والتي أجرها على عينة من طلاب الطب والعلوم الطبية، وانتهى فيها إلى أن قرابة 34% من أفراد العينة يعانون من الاكتئاب، و طلاب الطب أكثر معاناة من طلبة العلوم الطبية 41% مقابل 28% .
بصراحة 41% من عينة طلاب الطب يعانون الاكتئاب أمر يحتاج إلى دراسات أوسع تشمل جميع كليات الطب في المملكة ومن ثم الخلوص إلى حل أمثل لاحتواء هذه الظاهرة، أقول «ظاهرة» لأن النسبة في ظني مرتفعة جداً، خاصة أن الباحث توصل إلى أن قرابة 19% من هؤلاء المكتئبين فكروا في لحظة من اللحظات التخلص من أنفسهم بالانتحار بسبب تعثرهم أو أنهم غير قادرين على إكمال دراستهم، أو بسبب تسلط بعض أعضاء هيئة التدريس في مادته، وأتوقف عند هذا السبب الجوهري في نظري فأشدد كما شدد الباحث على ضرورة تحسين العلاقة بين الطالب وأستاذه من أجل أن نقلل من خوف الطالب واكتئابه ومن ثم نساعده في تحقيق ما يصبو إليه وأن يصبح عضواً فاعلاً في مجتمعه الذي يعيش فيه وينتظر تخرجه بل ويسأله كثيراً عن موعد الاحتفال به خريجا .
إن حسن اختيار العميد والهيئة الإدارية وأعضاء هيئة التدريس خاصة في كليات الطب أمر أساس في استقرار نفسية الطالب وتحقيقه النجاح ذلك أن بعض الأساتذة لا يجيد فن إيصال المادة العلمية بشكل جيد مع أنه قد يكون باحثاً متميزاً في تخصصه وعالماً بحر بالجراحة أو الباطنة أو...، أو أنه يملك مهارة إيصال المادة لطلابه إلا أنه لا يكترث بالجانب النفسي والاجتماعي لهم ، ولا يقيم لأخلاقيات التعامل معهم وزن، وهذا يضيف لصعوبة المادة كره لها وشعوراً بالفشل والضعف لدى شريحة من الطلاب مما يدفع الطالب للهروب والإنزواء، ومع مرور الوقت يقوى لديه الاكتئاب الذي هو الأرض الخصبة لما بعده من أفكار خاطئة أولها الانتحار .
صعوبة المادة ناتجه عن صعوبة التخصص وهذا أمر طبيعي لابد أن يجتهد الطالب أقصى ما يستطيع ليتحقق له النجاح، ولكن ينضاف إلى هذا الأمر تدريس الطب «باللغة الإنجليزية» مع أن بالإمكان التدريس باللغة العربية وفي ذات الوقت مطالبة الطالب حفظ المصطلحات الإنجليزية ذات الصلة بالمادة من خلال مقرر خاص بها، وهذا يسهل على الطلاب التخصص خاصة أن بعض من يدرّسون الطب من جنسيات عربية أو شرقية لغتهم مكسره ونطقهم للغة الإنجليزية ليس سليماً، وهذا الرأي ليس من بنات أفكاري بل هو كلام مختصين في مناهج وطرق تدريس الطب والعلوم الطبية ولهم باع طويل في إدارة هذا النوع من الكليات، فضلا عن أن جل البلاد المتقدمة طبياً تدرس بلغتها الأم كما هو معلوم .
طالب الطب يعاني ضغطاً من كل جهة من الأبوين والأسرة الذين ينتظرون تخرجه بفارغ الصبر، ومن المجتمع حوله وأصدقائه و... ولذا فهو بحاجة إلى الوقوف معه ومساندته وإشعاره بالثقة وتحبيبه للتخصص وتعزيز الدافعية عنده وتقوية قدراته وإكسابه مهاراته السريرية ومعارفة العلمية وهذا لا يتأتى إلا بعد أن يحب الأستاذ ويفهم منه وتعجبه طريقة شرحه وحسن تعامله وأدبه الجم،، دمتم بود والسلام .