في المقال السابق تطرقت لسمات «القائد الأكاديمي» وقدرته على التوظيف الأمثل للموارد البشرية والمادية لتحسين البيئة الأكاديمية والبحثية لمخرجات أفضل ومنافسة، والحاجة لمعايير اختيار القيادات الأكاديمية وتأهيلهم على كافة المستويات لرفع كفاءة وفاعلية المؤسسة الأكاديمية للإسهام في تحقيق رؤية المملكة 2030 . القضية التي سأشير لها في هذا المقال هي إحدى العراقيل الداخلية في جامعاتنا التي يواجهها القائد الأكاديمي، والتي قد لا تكون بارزة إلا أنها مزعجة ومستهكلة لقدرات الأستاذ الجامعي وقد تؤثر سلبا على أدائه إذا لم تُدر بحرفية، وهي متفاوتة بدرجات إذا قُيست بموضوعية في جامعات دون أخرى أو في كليات أو أقسام داخل الجامعة دون أخرى، وقد تكون أكثر وضوحا وممارسة في الجامعات الجديدة. فكل من تواصلت معهم من زملاء المهنة مدركين هذه القضية، ولم أجد من تطرق لها بوضوح ولفاعليتها وكيفية معالجة سلبياتها، سواء بمقال أو بدراسة بحثية...
القضية هي إشغال أعضاء هيئة التدريس في جامعاتنا بأعمال خارج عن وظائفهم الرئيسية داخل الجامعة (التدريس، البحث، خدمة المجتمع)، منها إغراق الكليات والأقسام بكثرة اللجان وتعددها، والطلب بسرعة إنجاز مهامها دون التفكير بأثرها السلبي على إنجاز وظائف عضو هيئة التدريس الرئيسية الأخرى.
عند العودة للائحة المنظمة لشؤون منسوبي الجامعات السعوديين من أعضاء هيئة التدريس ولائحة توظيف غير السعوديين، يتبين أن المهمة الوحيدة المحددة والمقننة هي نصيب عضو هيئة التدريس في مجال العبء التدريسي (ساعات أسبوعية محددة)، أما المهام الأخرى (الساعات المكتبية، المشاريع البحثية، الإرشاد، الإشراف، خدمة المجتمع، الاستشارات، الأعمال الإدارية واللجان، والأنشطة الطلابية...) تتوزع دون تنظيم أو تقنين واضح.
أما الوضع في بعض الجامعات العالمية مختلف فهي تتمتع بالمرونة وفقا للعقد، فمثلا في الجامعات الأمريكية يتم تحديد نسب الأعمال (ليست ساعات) لعضو هيئة التدريس في العقد، تتغير هذه النسب حسب الاتفاق أو طبيعة العمل سواء بحثية أو تدريسية أو إدارية، وبعض الأعمال الاستثنائية أو الفردية لا تتم إلا للحاجة الملحة ويكون لها مكافآت مجزية.
فعضو هيئة التدريس الجامعي مطالباً بأداء مهام متعددة داخل الجامعة، ومن الصعوبة أداء جميع تلك المهام بنفس الكفاءة، وقد تتضاعف تلك المهام في المرحلة القادمة للإيفاء بمتطلبات رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 لما يعول على جامعاتنا من دور مباشر في التنمية والمساهمة في تنويع مصادر الدخل. هذه المرحلة بالإضافة للتوجه نحو استقلال الجامعات تتطلب قيادات أكاديمية مدركة لأهداف الرؤية وبرنامج التحول لديها القدرة الإدارية لمعالجة القضايا والعراقيل الأكاديمية باحتراف ومهنية، بما فيها ترشيد المهام، وتحديد عدد اللجان الذي يشترك فيها عضو هيئة التدريس مع الأخذ في الاعتبار حجم عملها، لتعظيم الاستفادة من قدرات الأستاذ الجامعي دون الإخلال في وظائفه التعليمية والبحثية في الجامعة، مع النظر في وضع ضوابط تقنن تلك المهام أو الوظائف في إطار واضح ومقبول كما في العبء التدريسي لعضو هيئة التدريس.