ماجدة السويِّح
فكرة فصل رأس إنسان ونقلها لجسد آخر هي فكرة مرعبة ومثيرة في الوقت ذاته، الفكرة في حد ذاتها قد تكون مناسبة لأفلام الخيال أو الرعب لا أن تكون حقيقة يترقبها العالم اليوم، لكن المثير أن العالم سيشهد في 2017 أول عملية لزراعة رأس إنسان في جسد آخر بقيادة الجراح الأيطالي (سيرجيو كانافيرو) الذي نجح في زراعة رأس قرد سابقا، حيث سيحقق السبق بزراعة أول رأس بشري.
العملية المنتظرة ستشهد نقل رأس المتبرع الروسي (فاليري سبيريدونوف) خبير الكمبيوترات، الذي يعاني من مرض جيني نادر، أقعده عن الحركة، حيث سيتم نقل رأسه إلى جسد مجرم محكوم عليه بالإعدام.
الواقع أن الطرح الإعلامي المتوازن والرصين تناول السبق بمزيد من الشرح والوضوح لعامة الناس، والتوازن في تناول إيجابيات وسلبيات تلك العمليات غير المعهودة والتي يكتنف الغموض نتائجها، بالرغم من تأكيدات الجراح الإيطالي بنجاحها بنسبة 90%، كما أن الطرح الإعلامي في الصحافة الغربية المصاحب للعملية راعى القواعد الأساسية في الصحافة من حيث الصدق، والوضوح، والدقة دون إخلال بالمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية تجاه المجتمع.
التناول الإعلامي للتجربة لم يخلو من النقد والتشكيك بقدرة الطبيب الإيطالي على إنجاح العملية، كما استبعد بعض الأطباء نجاح تلك العملية المعقدة نظرا لوجود عدد من التعقيدات الطبية، التي لن تمنح الطبيب الوقت الكافي للزراعة. فرحة الاحتفاء بالمنجز الجديد لم تنس الصحفي الحقيقي أو العلمي على وجه الخصوص دوره في تقمص شخصية القارئ أو المشاهد المتعطش للمعرفة والباحث عن الحقيقة العلمية بعيدا عن التبجيل والتطبيل للسبق الطبي.
المحرر المختص الذي يجمع بين فنون التحرير والطب، هو الأقدر على التناول العلمي للحدث دون إخلال بمسؤوليته أمام المجتمع الذي يتحدث بلسانه ويجيب على تساؤلاته، بناءا على علمه ومعرفته بالمجال الطبي، فالتوازن في الطرح الإعلامي يضيف للقارئ والمشاهد الجديد حول زراعة الأعضاء في العالم، والصعوبات والانتقادات التي تحيط بالعمل المرتقب دون مبالغة بالنتائج المرجوة، أو تجاهل للمضاعفات المتوقعة بعد إجراء العملية.
الصحافة العلمية والطبية خصوصا في مجتمعنا تعاني من نقص المختص العالم بمجال الطب، والمحرر المتمرس على التحرير الصحفي، ففي عام 2000 احتفت الصحافة السعودية بأول عملية لزراعة الرحم على مستوى العالم بقيادة الطبيبة وفاء فَقِيه، ولم نشهد سوى التبجيل للسبق الطبي في صحافتنا قبل العملية وبعدها، لكن بعد فشل العملية برزت أصوات عدد من الأطباء لم تتوجه لهم الصحافة سابقا لسؤالهم عن العملية وتبعاتها، ولم تنشر رأيهم المعارض آنذاك لزراعة الرحم، نظرا لعدم فاعليتها وارتفاع جانب المغامرة عند تنفيذها، ليكون التطبيل سيد الموقف في التناول من قبل غير المختص والعالم بالمجال الطبي.
الجانب المخفي والمظلم في العلوم والطب بحاجة لذلك المحقق الذي يملك القدرة على الفهم وتبسيط المعلومة في قالب جذاب للمتلقي، كما يملك القدرة على النبش والتحقق من صحة ما يتداوله الناس من أخبار أو إنجازات طبية تفتقد للوضوح والدقة، ليقدمه خاليا من المبالغة والتبجيل لكل سبق أو حدث طبي.