فهد بن جليد
أعجبني أحد الخطباء عندما تحدث عن (الغَيبة) عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كإحدى المُمارسات الخاطئة التي نقوم بها في تلك الوسائط دون الانتباه إلى حجم وخطورة هذا التصرف، وأثره على السلوك بشكل عام.
يوماً بعد آخر نفتقر (للأذن الصاغية)، نتيجة انتشار هذه الوسائط الافتراضية التي تسبب (صمتاً ظاهرياً) عند الانشغال بالمحتوى، سرعان ما يتحول إلى (بركان) من الكلام فور الانقطاع والعودة للحياة الواقعية، لأن التعبير الإلكتروني لا يغني عن التواصل المُباشر بين البشر، وإن ضمن فيه المُرسل القدرة على إرسال (كلامه كاملاً) دون أن تتم مُقاطعته أو تشتيت أفكاره من قبل المُستقبل - عكس ما يحدث في الواقع - وهذا مؤشر مُخيف لظاهرة يجب أن تُؤرق مضاجع الآباء نحو مُستقبل وشخصية أبنائهم، خصوصاً مع صعوبة توافر فرص كافية للحوار والحديث بشكل صحيح، في ظل نَهَم الحديث الواضح عند الناس، وشغف الكلام مع تزاحم كلمات المُتحدثين!
الأمر طال وسائل الإعلام التقليدي عندما اكتشفت دراسة كويتية أن (70 في المئة من المُحاورين) في البرامج على الفضائيات العربية لا يتحلَّون بآداب الحوار المُتوقعة، ويتعمدون المُقاطعة وتشتيت أفكار الآخرين، بل إن مُعظم المُتحدثين في بعض المجالس والبرلمانات العربية تتم مُقاطعتهم في - أول دقيقتين - من بدء حديثهم، وقبل حتى اكتمال أفكارهم الأولية، مما يدل على أننا بالفعل نعيش وقتاً صعباً تتناقض فيه الحالة بين (الهذرة) الكلامية المُستمرة عند البعض ومُحاولة انتزاع وقت الكلام من أفواه الغير، وبين التواصل الشخصي (غير الصامت) هو الآخر، عبر منصات ووسائط إلكترونية ميزتها الوحيدة ضمان (عدم المقاطعة)؟!
(نصف مشاكلنا) الأسرية والعائلية والعملية سنتخلص منها بالصمت والتوقف عن (50 في المئة من أحاديثنا) والتنازل عن حصصنا التي تعودنا عليها، و(النصف الآخر) حتماً سيختفي لو تغلبنا على وسائل التواصل الاجتماعي وتخلصنا منها حتى لا تسرقنا من أنفسنا وممن حولنا، الحكم والأشعار والأمثال التي ميزت بين الكلام والصمت كثيرة في أدبنا العربي، والوقع أن الناس من حولنا لم يعودوا يملكون الوقت، ولا الصبر والقدرة والنَفَس للسمَاع، بقدر حاجتهم - أكثر من أي وقت مضى - للحديث والكلام والتعبير فقط.
كل ما سبق يؤكد أننا نعيش (أزمة إنصات) في كل عوالمنا الواقعية والافتراضية وحتى الفضائية، إلا عندما تكون الغيبة (حاضرة) في أحاديثنا عندها فقط قد نصمت لسمَاع عيوب غيرنا؟!
وعلى دروب الخير نلتقي.