د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** هل المتعصبون هم الرياضيون فقط؟ بثقةٍ لا تهتز: لا، بل لعلهم أقل فئات المتعصبين ضررًا؛ فالقضية كرةٌ تُشعل الحماسة زمنًا ثم تنطفئ، والبيت كما المجلس الواحد يضمُّ مختلفين يختصمون حين المباراة ويصطلحون بعدها، ويبقى قرار محاربة التعصب رائدًا في منع تجاوزات الدهماء في المدرجات وانفلات المحللين في المواقع والقنوات، وليته يمتد ليشمل متعصبي القبيلة والمنطقة والمذهب والتوجه؛ فهم الأخطر والأكثر.
** وإذ يتيسر لنا استلهام الحِراك الاجتماعي والثقافي خلال عقود قريبة فإن مؤشراتها نُذُر صراعاتٍ مستيقظةٍ وإن غفت حينًا قليلاً، وكما انقسم المجتمع بسبب معركة الحداثة والصحوة فإنه ينقسم مع علو الأصوات المتعصبة المعنيةِ بكسب الشارع مهما تكن المخاطر والتضحيات، ولنستذكرقبل ربع قرن؛ فوقت محاولة بعض النساء قيادة سياراتهن علت لغة الخطاب الصِّدامي، وعُدَّ تناول الموضوع بالتأييد منذرًا بالتهديد والوعيد، بل طال بعضَ من كتبوا فيه استهدافٌ لمواقعهم الوظيفية ومكانتهم المجتمعية.
** يتكرر هذا مع كل طرح جديد سواءٌ أَتصل بأمرٍ عامٍ أم بنظامٍ جديد، يستعيده من وعى قرارات إدخال اللاسلكي وتعليم البنات وإنشاء التلفزيون وتغيير التوقيت الغروبي وبدء البث الفضائي ونحوها، ولا ننسى ما جُوبه به قرار دمج تعليمي البنين والبنات -في مطلع الألفية 2002م- من شحنٍ عاطفيٍ طال أذاه أستاذنا المرحوم الدكتور محمد الرَّشيد وزير التربية والتعليم (المعارف إذ ذاك)، وقبله مُنعت ندوة «تنسيق الخدمات التعليمية» التي عُقدت في معهد الإدارة في منتصف الثمانينيات الميلادية من إصدار توصياتها الخاصة بتوحيد التعليمين، وكان أن أُجهضت الندوة بسبب فكرة الدمج.
** هذه أمثلة للاستشهاد وربما للاسترشاد، ولا يعني هذا المقالَ مع من يقف الحق بمقدار ما يعنيه الانفعالُ الغريب الذي تتردى فيه الخطابات المتضادة حاملةً اتهاماتٍ لا تمسُّ شخوصًا فقط بل اتجاهات، وتُقاد فيها المعارك المفتوحة القابلة لكل الاحتمالات السيئة، بما فيها تفتيت البناء الوطني الداخلي.
** كانت المشكلة قبل العصر الرقمي أقلَّ شأنًا لانحصارها في مجموعاتٍ محدودة، لكنها -اليوم- ممدودة؛ فلكلٍ موقعُه وصفحتُه وجمهوره، ولا أحد يدققُ في عِلمٍ ومعلومةٍ أو سيرةٍ ومسيرة، بل إن معظم الطافين على السطح ذوو أوزانٍ ذهنيةٍ تتمايل بها رياحُ الأقوى، وحين تفِرُّ كلمةٌ أو دعوةٌ أو حكايةٌ لا تروق لمتنفذٍ مجتمعي يطير الأكثرون خلف وسمٍ لا يكادون يعون هدفه، وحين تنتهي الأزمة ينسى مناوئوه سبقَ رفضهم دون أن ينسى مقابلوهم ما سببوه من جراحٍ عميقةٍ في نسيج المجتمع وأعماق أجياله، ومن فوضى عبثية في صخب مصطلحاته، ويبدو السؤال الأقرب: هل تمكن معالجةُ شخصياتنا الانفعالية غير القادرة على الانضباط؟.. وهل هو خلل سلوكي أم ثقافي أم جزء من تركيبتنا المكونةِ لتمايز الذوات والصفات؟.. وما الحل؟.
** التعصب أنهارٌ وانهيار.