تركي بن إبراهيم الماضي
كلَّما وضعت قدماً على درجة جديدة في سلم عمرك دخلت إلى مرحلة أخرى. ليس الجديد أن يضاف إلى عمرك رقم جديد، لكن الجديد أن تتغير دون أن تشعر. سلوكك، أسلوب حديثك، تعاطيك مع الأحداث من حولك، ثقافتك، ذوقك، كلها تتشكل وتتبدل بحسب كل مرحلة عمرية من حياتك. العطر الذي كنت تهيم به في مراهقتك، يشعرك بالغرابة لو شممته عابراً، متسائلاً: «أي مجنون صنع هذا العطر؟». ليس فقط العطور، وإلا لكانت الأشياء خفيفة على القلب، ذهبت أو بقيت، فإن سلوكك أيضاً قد يتغير، كلياً أو جزئياً، - ولا يمكن المراهنة هنا إلا على الناس الطبيعيين - فقد تكون مندفعاً، متهوراً في شبابك، ثم وضعت الحياة أثقالها عليك، فلم تعد تتحرك إلا بخطوة محسوبة عواقبها، وقد يكون العكس صحيحاً، فمن الناس من تتحرك عقارب ساعته الزمنية عكس كل الناس، فقد يظهر طيشه أو جنونه في منتصف عمره، لا في مراهقته! لكن المقياس هنا عن المتعارف عليه في مراحل الإنسان، وطبيعة سلوكه في كل مرحلة، وهو ما انتبهت له شركات التصنيع المعنية بالموضة، في الملابس وغيرها، فبات تدشينها لخطوط إنتاج الموضة الجديدة كل عام حدثاً مهماً، ينتظره كثير من عشاق الموضة، ثم أصبحت الشركات تتعمق في دراسة نفسيات كل جيل، وما يحفزه على الشراء، وما يدفعه دوماً للحاق بأحدث صيحات الموضة. وهو ما يعلق السؤال الأهم: لماذا دائماً الشريحة الأكبر المستهدفة في خطوط الإنتاج هي الشباب/الفتيات؟ لأنها الفئة الأجرأ في تقبل وتجريب خطوط إنتاج جديدة، كما أنها بالطبع الفئة الأكبر القادرة على الشراء المستمر وخاصة الفتيات!
وفي مجتمعنا، يؤطر مقياس العمر تأطيراً من حيث السلوك والملبس والمأكل. بحيث لا بد أن تكون منعزلاً وصامتاً وزاهداً في كل شيء، طالما تجاوزت منتصف عمرك، وهو ما يشير إلى أننا نضع الإطار لكل الناس، في هذه المرحلة من أعمارهم، ولا نقبل أن نراهم خارجها، ومن كان خارجها فإن «العيّارون والعيّارات» سيرمونه بسهامهم المعيبة «قلبه خضر». كأنه محكوم على كل من تجاوز شبابه، أن يكون ميتاً دماغياً، أي جسداً بلا روح. لا يعني أن يكبر في عمره أن نجعله ميتاً قبل أوانه، ولا أيضاً أن يكون قلبه أخضر من اللازم، فيسابق قلب مراهق في الركض والإحساس، لكن أن يكون بين بين، أي بين الأخضر والأبيض، بين أن تكون منتمياً للحياة، وأن تضع قدماً تجاه آخرتك، وهو ما يتجلى في القول الدارج: «أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً».