د. فوزية البكر
عام 1914 نشبت الحرب العالمية الأولى التي استمرت أربع سنوات، ودخلت خلالها دول أوروبا في حروب ضد بعضها بعضاً (النمسا، بلجيكا، فرنسا، بريطانيا)، بحيث كانت المحصلة الدامية مقتل أكثر من تسعة ملايين إنسان وتدمير مدن وشعوب بكاملها، بحيث تطلب الأمر لاحقاً عشرات من السنين لإعادة التأهيل والإعمار، لكن الشعوب في تلك الحقبة التاريخية المروعة من تاريخ البشرية لم تتعلم الدرس جيداً، إذ سرعان ما اشتعل أتون الحروب مجدداً بين هذه الدول المتجاورة (ألمانيا، بولندا، إنجلترا، الاتحاد السوفيتي) عام 1939، فنشبت الحرب العالمية الثانية التي شاركت فيها كل دول العالم هذه المرة، لتكون بذلك أشرس معركة عرفتها البشرية في تاريخها، إذ عن طريق القصف الإستراتيجي للمدن وباستخدام القنابل الذرية أبيد أكثر من 55 مليون إنسان، ودمرت مدن عن بكرة أبيها، ولم تنته هذه الحرب إلا عام 1945 بعد انهيار الاقتصاد الأوروبي بتدمير 70% من البنية الصناعية له، وتكبد كل الدول المشاركة وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي واليابان خسائر فادحة مادية وبشرية.
الشاهد في ذلك أن الإنسان ورغم أنه يعرف قسوة الحروب وبشاعة تدميرها للإنسان ولكل ما صنعه بشكل عام إلا أن ذاكرتنا القصيرة زمنياً تعيينا أحياناًً عن تذكر ذلك، لذا علينا أن نعيد دائماً استحضار دروس الحرب التاريخية القاسية وخاصة في عالم مشوش ومضطرب مثل عالمنا الإسلامي اليوم.
ما يعج به العالم اليوم من أحداث مخيفة مقابل ما نحاول في الداخل القيام به من جهود غير مسبوقة لتنويع مصادر الدخل وبناء اقتصاد حقيقي يدير الدفة بدل الاعتماد على سيولة الحكومة لتحقيق بقاء الشركات، يحتم علينا العودة والنظر في أولويات المرحلة الحالية والتي تأتي التنمية البشرية والتنمية الاقتصادية وتأسيس البنية التحتية وخاصة في المناطق والقري خارج المراكز الحضرية على رأسها لتحقيق شيء من التنمية المتوازنة وخلق فرص وظيفية لشبابها، إذ هم الهم الأكبر والأكثر إلحاحاً في هذه المرحلة، وهو ما سيؤدي إلى استقرار منطقتنا رغم الاضطرابات التي تحيط بنا.
لدينا ملفات ساخنة جداً على رأسها الزيادة السكانية المهولة والتي يشكل الشباب ممن هم أقل من 16 سنة أكثر من 60% منها، وهو ما يتطلب إعادة ترميم وبناء البني التحتية للخدمات الأساسية من كهرباء وماء وشبكات صرف صحي وطرق وشبكة قطارات ورعاية صحية وتعليم إلخ. كل ذلك يتطلب بلايين الدولارات التي نحتاجها أكثر من أي شيء آخر لإعمار المناطق المتضررة سواء داخل بلادنا أو البلدان المتضررة المجاورة لنا حتى نؤمن حدودنا.
نعرف أن اتخاذ خطوات عسكرية لمواجهة الحوثي لم تكن خياراً لنا حين اضطررنا للدخول في حرب مع شقيقتنا اليمن، وكان من الضروري أن ترسل المملكة إشارات قوية للمتمردين ومن يدعمهم داخل اليمن بقدرتنا على الدفاع عن حدودنا حين نكون مضطرين، وربما أن الإشارة وصلت خلال هذا العام بعد الهزائم الكبيرة التي تكبدتها قوات الحوثيين وشريكهم المخلوع على صالح مع توفير الدعم الكامل للرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي ولحكومته وللبرلمان اليمني.
لكن على الأرض من يدفع الثمن هم أطفال اليمن ونساؤه ورجاله الفقراء الذين لا ناقة لهم ولا جمل، حيث تبين الإحصاءات أن نحو 80% من أطفال اليمن معرضون للمجاعة وللأمراض المزمنة العقلية والجسدية المرتبطة بذلك والتي ستدفعها الأجيال القادمة بالضرورة، هذا عدا عن تدمير البنية التحتية بفعل تعمد الحوثي والمخلوع في منع وصول مواد الإغاثة للمحتاجين، واستمرارهما في استخدام الأطفال دروعاً بشرية في القتال، وما يرتبط بذلك من تدمير للبنية التحتية.
بلد كريم مثل بلادنا كان لها دائماً اليد الطولى في دعم الشقيقة اليمن التي حظيت تاريخياً بمعاملة خاصة من السعودية بما سمح لها بطرح مبادرة إعادة الأمل وانهاء هذه الحرب وفرض ذلك على الحوثيين بضغط من الدول الكبرى، وذلك حتى نغلق هذا الملف إلى الأبد ونتفرغ إلى ما هو أكثر إلحاحاً، غير أن الحوثي والمخلوع لم يستجيبا، كما أن الدول الكبرى لم تساعد المملكة في إيجاد حل لهذه الحرب، بما في ذلك عدم إلزام الانقلابيين بقرار مجلس الأمن 2216 .