محمد أبا الخيل
ما يحدث في سوريا أمر لا يقبله العقل المجرد من الميول لأي طرف، قتل وتشريد وذل وهوان وتدمير وتخريب وإفساد في الأرض، وقبل ذلك كان للعراق بعض من ذلك وفي اليمن وليبيا أشد وأنكى، ومنذ أيام تفجيرات غاشمة في مصر لقتل أناس أبرياء، والعاقل يتساءل, لماذا كل هذا ؟.. ولمصلحة من؟.. ولماذا هذا الوقت بالذات, هل هي مؤامرات أجنبية أم نبات لموروثات محلية كانت بذوراً جافة أسقاها القهر والاستئثار والظلم من بعض أهل الدار..؟.
منذ أيام دار جدال بين كاتبين حول ما يحدث في الشرق الأوسط بجملته, أحدهما ادعى أن ذلك بفعل مخطط وتنفيذ أجنبي لإضعاف أمة العرب وقهرها لتقبل الكيان الصهيوني وتعترف به ثم يسود عليها بما لديه من تقنية ودعم غربي، والآخر يدعي أن ذلك هو نتيجة إحياء خلافات تاريخية تسنى لها أن تظهر بفعل العولمة والاستثارة غير المباشرة الأجنبية والمباشرة من دول جوار غير عربية لها مصالح قومية أوعرقية.
أنا وجدت أن كلا المتجادلين متفقان على أمر واحد، وهو أن هناك استثارة ومباشرة في الإثارة من أطراف خارج حلبة النزاع وأن تلك مدفوعة بموروثات تاريخية عرقية ودينية ومشاعر عدوانية انتقامية واستعلائية من غيرنا علينا، لذا نظرت في تاريخ مشرقنا العربي منذ أزل الحضارة المروية في الحفريات والرقاع والكتب, فوجدت أن المرء يكاد يجزم بأن المشرق العربي هو بذرة شئون العالم أجمع ففيه ظهرت الممالك التاريخية العظام، وإليه هاجرت القبائل والأجناس على مر التاريخ من الشرق والغرب ولكسب ولائه والنفوذ عليه تصارعت قوى الشرق والغرب وفيه ظهرت حضارة الكتابة والاختراع والتفكير والإبداع ومنه انتشرت أكثر الديانات أتباعاً وأشدها تنافساً، وبه قامت حلبة الصراع الأممي، حتى يكاد الملاحظ لا يجد في تاريخ المشرق العربي منذ أزله وحتى اليوم زمناً تجاوز 40 عاماً دون معركة عظمى غيرت من تكوينه السياسي.
فهل هذا هو قدر مشرقنا العربي أن يكون حلبة صراع الأمم وأن يكون أهلنا المتصارعون والعالم يتفرج ويراهن عليهم؟.. هل علينا أن نجعل من تاريخنا وما فيه من صالح وطالح هو مادة الحماس للمتصارعين؟.. هل علينا أن نرضى بهذا الواقع الذي يجعلنا أشبه بالديوك في صراعها بين شلة متراهنين..؟.
الواقع يقول (نعم)، نحن في مشرقنا العربي أشبه بالديوك في صراعها، فهي تستمرئ العداء لبعضها حتى الموت، وهي لا تعي لماذا تتصارع، وماذا تكسب من ذلك الصراع، ولا تعي أن هناك مستفيدين من ذلك الصراع، هم من يغذيه ويباشره ويحمسه.. ولكن علينا أن نتغير وأن ندرك أن هذا الواقع ليس حتماً ولا قدراً مفروضاً علينا، ولا يليق بنا كأمة لها رسالة خالدة وطموح لمستقبل زاهر.
هذا التغيير يجب أن يبدأ اليوم وأن يبدأ من حيث تكون البداية دائماً، من الأصل، من المنبع، من جزيرة العرب، أقصد بذلك دول اتحاد مجلس التعاون الخليجي، هذا التغيير يجب أن يكون مبرمجاً وطويل المدى وخاضعاً لإستراتيجية ثابتة ترتكز في نظري على ما يلي:
1- بناء اتحاد عربي مشرقي يقوم على التفاهم والتعايش والاستقلالية ويعتمد على الأمن المشترك والتحصين المتبادل.
2- التمكين للقيادات السياسية العادلة ذات الشعبية في دول المنطقة ودعمها لتحقيق الإجماع البنائي لمجتمعاتها.
3- الديموقراطية والمشاركة السياسية ليست هدف قصير أو متوسط المدى فمنها وبها يأتي التأثير الأجنبي المضر ببنائية مجتمعاتنا والهادف لتفتيتها وكسر شوكتها.
4- تحقيق العدالة والنزاهة والحكم الرشيد وحماية الأقليات والحريات الخاصة بالموروثات التاريخية.
5- بناء وتمكين ثقافة اجتماعية تعتمد وحدة المصيرالعربي وقبول التنوع العرقي والديني والطائفي.
وبناءً على هذه الإستراتيجية تكون هناك أهداف قصيرة المدى وطويلة المدى تحقق التالي:
1- بناء قنوات تبادل تجاري في البضائع والخدمات وتمكين اتفاقيات التواصل والترابط في المواصلات والطاقة والعمل والتصنيع المشترك.
2- بناء صناعة حربية دفاعية تحقق متطلبات معظم جيوش المنطقة والعمل على توحيد مواصفاتها وإمكانيات التوافق في التشغيل والإمداد والاتصال.
3- العمل على تطوير التعليم الإنتاجي والإبداعي وجلب التقنية وتوطينها واستعادة العقول العربية المهاجرة بالإغراء وتشجيع في دعم البحوث والاختراع.
4- دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة من خلال مؤسسات مشتركة تعتمد التشجيع والتمويل والحماية.
لاشك أن المقال في هذا يطول ويتشعب ولكن ضيق المساحة هنا يفرض الاختصار، لذا أختم مقالي بأن التهديد الذي تتعرض له منطقتنا تهديد خطير ومستمر، ولا يجوز لنا الانشغال عنه بما هو أدنى منه، والله أسأل أن يوفق قادتنا لما ينمي بلادنا ويسعد أهلنا.