د.فوزية أبو خالد
في لمح البصر
يجترح الملهمون جرائر جميلة في حق الجهل
على جادة وإن طالت
يرتكب الإبداع ذنبًا مُذهبًا بالدهشة في حق المعتاد
بجرة جناح
يتجرأ الشعراء على جمود الجدار فيشف عن مشهد متموج
ليس المقطع أعلاه إلا مطلع قصيدة متوهجة مقطرة مكثفة مجددة، اسمها مهرجان أفلام سعودية بالمنطقة الشرقية.
ومما يميز قصيدة أفلام سعودية ليس أنها خروج على عمود الشعر، ولا على شعر التفعيلة، ولا أنها تمجيد لتجريب جديد في قصيدة النثر، بل في شغفها بكل أشكال التعبير الشعري والبصري والسمعي واللمسي والحدسي في جوار متحاور ومتنوع ومتجاوز, هي قصيدة أفلام لا تريد مجدًا إلا مجد التدرب على التعايش الإبداعي، ولا تكترث بمشقة إلا مشقة اكتشاف مجاهل جديدة للمزيد من أشكال الإبداع، ولتقديم صورة بأكثر من ثلاثة أبعاد.
ولكن لا بد من الاعتراف بأن هذه المقدمة الحالمة لم تأتِ إلا بعد أن تعمدت يدي بماء المشاهدة بالمعايشة. وهي عملية إعادة اختراع لتلك الأداة المنهجية المسماة «الملاحظة بالمعايشة» التي يستطيع الباحث من خلالها أن يختبر ملمس التربة/ التجربة أو الحالة الميدانية وعناصر تكوينها ببشرته من خلال الفعل والتفاعل المباشر لا عبر وسائط جسدية أو تخيلية أو سردية مأخوذة من الآخرين كأداتَي الاستبار أو المقابلة. فقبل شد الرحال إلى المهرجان الرابع لأفلام سعودية بالمنطقة الشرقية وحضوري يوميًّا لأكثر من خمس ساعات مشاهدة أفلام، وما لا يقل عن ساعتين حضور ورش عمل وعشرات اللحظات من النقاشات والحوارات على امتداد أربعة أيام متواصلة، لم أكن أملك من اللياقة للكتابة عن موضوع ملتبس مثل مهرجان لأفلام سعودية إلا لياقة الفضول المعرفي..
كنت قد قرأت بموقف متأرجح بين التصديق والتشكيك أخبار ولقطات المهرجانات الثلاثة السابقة من فجوات الغياب بين لندن ونيويورك والدوحة حيث تزامن وجودي بالمصادفة المحضة في شتات عواصم مختلفة وقت انطلاقاتها الأولى, إلا أن ليس الخبر كما تقول العرب كالأعيان، كما أن ليس مثل التجربة العملية لاختبار الفرضيات كما يؤكد المنهج العلمي.
فبقدر ما كانت تنتشي مخيلتي من خلال تويتر والفيسبوك ومواقع شبكية أخرى بالأخيلة التي يخلقها وجود مهرجان لأفلام سعودية بقدر ما كانت تشككني خبرتي في مدى عسر المخاضات الجديدة في الأوضاع الواقرة، ومدى صعوبة مجرد محاولة قيادة التحولات, في إمكانية أن يكون هناك مهرجانات ثقافية لأفلام سعودية على درجة يعتد بها.
ولذا كان هناك العديد من الأسئلة التشكيكية التي دارت بخلدي، والتي استقيت بعضًا آخر منها من آخرين لديهم نفس وسواس الأسئلة, غير أنني أكتفي بانتخاب عينة منها فيما يأتي:
« كيف يمكن أن يقام مهرجان لأفلام سعودية في الوقت الذي ليس فيه مقر واحد مهيأ ومقبول لعرض الأفلام بالسعودية, باستثناء أرامكو؟
« هل يملك فرع من فروع جمعية الثقافة والفنون تلك الإمكانات البشرية والتقنية لوجستيًّا وفنيًّا للقيام بمثل هذه المسؤولية الكبيرة، ولتوفير أرضية صلبة لمثل هذه الانطلاقة السينمائية؟
« هل تتوافر أي من الشروط التي تضمن ألا يكون مثل هذا المهرجان فقاعة أخرى من فقاعات مشاريع الترفيه التبشيرية المفرغة من المعنى الاجتماعي للترفية, ما لم يكن هناك من يعتبر تلك الصراعات الكلامية المتأدلجة حولها شكلاً من أشكال التسلية الساذجة؟
« هل قيام مهرجان سنوي مقطوع لأفلام سعودية يمكن أن يؤدي لوجود فيلم احترافي إبداعي جيد في غياب أرضية ذات ثقل مهني لصناعة السينما؟
وليس أخيرًا..
« هل كنا لنعرف نحن هنا بالمجتمع السعودي عن وجود تجربة سينمائية محلية أو حتى نتصور إمكان ذلك لولا وجود مبادرة هذا المهرجان؟
« هل كان إقدام الشباب والشابات على الزيادة في أعداد مشاركتهم بمهرجان بعد آخر سيكون بنفس المعدل لو لم يوجد مثل هذا المهرجان باعتباره المنفذ الوحيد المتاح محليًّا حسب علمي لعرض أفلام الشباب، ولتماسهم مع جمهور حقيقي بالداخل؟
« هل يمكن أن تكون تجربة مهرجان أفلام سعودية تجربة طليعية، تقود لبداية توطين هذا النوع من العمل الإبداعي المرئي؟
« كيف تتوافر لهذه التجربة عوامل الصمود والتطور لئلا تصبح تجربة مقطوعة، يستفرد بها، أو تضطر لتكرار نفسها؟
« ما هو الدور التبادلي المتوخى من جمهور السينما ومن السينمائيين لتطوير كل منهما للآخر في إطار مهرجان الأفلام وخارجه؟ وكيف؟
.... يتبع