إن النفس البشرية بطبيعتها تميل للعمل والإنجاز فما دام هناك شخص يعمل فهو إما أن يكون راضياً عن عمله وإما أن يكون غير راض عنه، الرضا الوظيفي ينبع من شعور الفرد بالسعادة والارتياح أثناء أدائه لعمله، ويتحقق ذلك بالتوافق بين ما يتوقعه الفرد من عمله ومقدار ما يحصل عليه فعلاً في هذا العمل.
وهو من الأمور المهمة التي لها تأثيرات عديدة على الموظف ومن تربطه به علاقة شخصيه وطموحه وأدائه، كما أنه استثمار مهم للشركة لتصعد بمستوى عالٍ من الأداء والتميز.
«من الضروري خلق مناخ مناسب يستحث الموظفين على تحدي الممارسات الحالية وتطوير وتنفيذ الأفكار الجديدة».. هكذا يقول ويليام إدوارد ديمنج الإحصائي الأمريكي المشهور بـ(أبو الجودة) لمساهماته الواسعة في عالم الجودة والإدارة الذي كان له الفضل الملموس في إعمار اليابان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث سخر كل خبراته وطاقاته فيها، وقد كان من ضمن البنود الـ14 الخاصة بديمنج لتحسين الجودة: إبعاد الخوف عن بيئة العمل، تشجيع الاتصال الفعال، القضاء على الشعارات التي لا تُعلم الموظفين أساليب التحسين والتطوير والقضاء على معوقات اعتزاز الموظفين بالعمل.
في شركة مثل شركة بوينغ لصناعة الطائرات نجد أن معدل أعمار الموظفين مرتفع يسيطر عليهم الأشخاص في نهاية الثلاثين وبداية الأربعين وعلى الرغم من أن شركة بوينغ تعتبر من أكثرها الشركات صرامة وأكثر عملا إلا أنها تدفع بشكل جيد لموظفيها ولديها جميع الوسائل التي يحتاج إليها الموظف، والنتيجة أن الشركة لديها عقود بالمليارات ولديها التزام بنسبة كبيرة في تسليم الطائرات.
هنا نكتشف أن الرضا الوظيفي قد يصل بالمنشأة إلى درجات عالية من النجاح، كما أن تحقيقه في الشركة جعل موضوع التسرب الوظيفي ضئيل جدا، مما رفع معدل أعمار الموظفين وبالتالي اكتساب الخبرة وزيادة في الإنتاجية.
وهذا يوصلنا إلى رسالة مفادها: كلما كان الرضا الوظيفي عاليا كلما ارتفعت كفاءة الأداء وحققت المنشأة أهدافها، والعكس صحيح وهو يتضح في بعض النماذج في الدوائر الحكومية حيث إن الرضا الوظيفي للموظفين منخفض مما يحول أداء الدائرة إلى البيروقراطية والتأخير في المعاملات وعدم وجود أي دافع لدى الموظف للإنجاز.
في دول مثل سنغافورة ومدينة دبي نشاهد أن الأداء في التنافس بين القطاع العام
(الدوائر الحكومية) وبين القطاع الخاص (الشركات) قد وصل إلى أشده مما حقق إنتاجية عالية عند موظفي القطاعين، وهو الأمر الذي حقق السعادة في المدينتين، وكل هذا العمل الكبير انطلق من تحقيق الرضا الوظيفي.
وفي النهاية نصل إلى نتيجة مفادها أنه متى ما تحقق الرضا الوظيفي فإن المخرجات ستكون وفيرة وثرية وكثيرة بما يحقق المنفعة العامة والسعادة والعكس إذا كان الرضا الوظيفي منخفضا سيكون هناك إحباط وإهمال والنتيجة بيروقراطية في العمل وتأخر في الإنجاز، العميل الداخلي (الموظف) له الحق بالرعاية تماما كما العميل الخارجي.