عبدالعزيز القاضي
يا راكب من عندنا صيعريات
من ساس عيراتٍ اعرابٍ اتلادي
- ابن سبيّل
و(الصيعريات) هي النوق النجائب منسوبة إلى قبيلة الصيعر، وهي قبيلة معروفة، مواطنها جنوب وشرق الجزيرة. (من ساس عيرات) أي من نسل إبل عيرات، وهي المشبهة في قوتها وسرعة سيرها بالعير الذي هو الحمار الوحشي، و(اتلادي) أي قديمة عندهم (فصيحة), بمعنى أنهم كانوا اتخذوها منذ زمن بعيد (انظر: معجم الحيوان عند العامة مادة صعر).
والحديث في هذا البيت منصبّ على مفردة (صيعريات)، وربما كانت المصطلح الأكثر استخدامًا في وصف النوق النجيبة. علمًا بأن النجابة في الإبل عند العرب المتأخرين لا تقتصر على الصيعريات، بل هناك (الشدقميات)، وهن المنسوبات إلى فحل من فحول النعمان بن المنذر، اسمه شدقم, وهو معروف منذ القدم, قال أبو تمام:
بالشدقميات العتاق كأنَّما
أشباحها بين الإِكام إكامُ
وقال محسن الهزاني:
شدقميات هجاهيج اهجان
للبعيد اِمْنَ الفيافى مدنيات
وهناك (العمانيات) و(الباطنيات) نسبة إلى مناطق الباطنة في عمان، وهي المناطق الداخلية. قال عدوان الهربيد:
يا راكبٍ من فوق بنت العماني
وقم الرباع وتو ما شق نابه
وكذلك إبل الشرارات.. قال ابن سبيل -رحمه الله- بعد بيت السياحة أعلاه:
بنات حرٍّ فحّلوه الشرارات
بالعيش تعنى له جميع البوادي
وهناك الإبل السودانية, والمهرية, والدوسرية, والساحلية, والحجازية, والآركية.. وسميت بهذا لأن مناطقها ينتشر فيها شجر الأراك، وتنتشر في نجران وتثليث ورنية والخرمة وتربة وساحل تهامة. قال ابن حصيص في قصيدته الشهيرة (المطوع لو يشوف خديد سارة) يصف الجمل:
آركي ومربع عشب القراره
ما علاه الشد له سبع اسنواتي
.. وغيرها.
وجاء في اللسان: وقال أَبو علي في التذكرة: الصَّيْعَرِيَّة وَسْم لأَهل اليَمن، لم يكن يُوسم بها إِلا النُّوق. قال: وقول المُسَيَّب بن عَلَس:
وقد أتناسى الهَمَّ عند احتضاره
بناجٍ عليه الصَّيْعَرِيَّة مُكْدَم
(وينسب هذا البيت إِلى المتلمّس) يدلُّ على أَنه قد يُوسَم بها الذُّكُور.
وقال أَبو عبيد: الصَّيْعَريَّة سِمَة في عُنُق البعير، ولما سَمعَ طَرَفَةُ هذا البيت من المسيَّب قال له: اسْتَنْوَقَ الجمَلُ, أَي أَنك كنتَ في صفة جَمل، فلما قلت الصَّيْعَرِيَّة عُدْت إِلى ما تُوصَف به النُّوق، يعني أَن الصَّيْعَرِيَّة سِمَة لا تكون إِلا للإِناث، وهي النُّوق. انتهى
ومن هنا يتضح أن الصيعرية في الجاهلية كانت سمة (وسمًا) لأهل اليمن, وهي سمة للناقة خاصة, ثم أصبحت فيما بعد صفة للناقة النجيبة, وهذا يثير بعض الأسئلة من مثل: هل كانت قبيلة الصيعر (وهي فرع من كندة القحطانية) معروفة بهذا الاسم منذ الجاهلية؛ ولذلك كانت تسم نوقها دون الجمال بسمتها الخاصة التي اكتسبت منها الاسم؟ أم أن القبيلة اكتسبت الاسم من تلك السمة فيما بعد لشهرتها, وخصوصاً أن المعاجم لم تزد في شرح معنى هذه الكلمة على ما ورد في اللسان؟