إبراهيم عبدالله العمار
كنت عند محل حلاقة ذات مرة، وبينما حلاقي يعمل سمعت مجادلة، وفهمت أن شاباً قد انتهى من الحلاقة وبعدها أخذ يساوم ويساعر («يكاسر») الحلاق الآخر محاولاً خفض القيمة!
لم يعجبني ذلك إطلاقاً، فأولاً أسعار الحلاق موضوعة على لوحة معلقة واضحة. ثانياً من حق التاجر وضع السعر الذي يرغب، وإذا لم يعجبنا السعر لسنا مجبرين، بل نستطيع الذهاب لغيره (طالما لم يكن هناك استغلال أو احتكار). وهذا ما كان الشخص يقدر عليه، أي الذهاب لحلاق آخر أقل سعراً. لكن النقطة الثالثة والتي أحنقتني هي أنه لم «يكاسر» قبل الحلاقة بل بعدها، فهي ليست سلعة يستطيع الحلاق استرجاعها بل خِدمته انتهت ولا تغيير لها! وهذا من قلة النزاهة لدى ذاك الشخص، فكان يستطيع المساومة قبل الحلاقة لكنه أدرك أن الحلاق لن يرضى وذلك وضعه في موقف يُجبر فيه على الرضوخ.
وهو ما حصل أخيراً، فماذا يستطيع الحلاق فِعله الآن؟ اضطر للقبول بسعر الزبون على مضض. وهذه المساومة المحمومة لدينا هي من الخصال التي أتمنى أن نغيّرها، فلا بأس من المساومة في أسواق اعتادت ذلك وصار حتى التاجر يتوقع أن تساومه، لكن «مكاسرة» كل شيء ممكن شيء سيئ، فأولاً: هناك أناس يحتاجون المال ولا مصدر آخر للرزق لديهم وسلعهم أصلاً رخيصة، وقد رأيت رجالاً يساومون أطفالاً فقراء وعجائز معدمات على قطع بسكوت لا تساوي بضعة ريالات! وثانياً المساومة المنتشرة تجعل الكثير من التجار يرفعون أسعارهم عالمين أن الكل سيساومهم، وهناك أناس لا يساومون ويدفعون أي مبلغ يضعه البائع وهكذا تضيع أموالهم.
ذات مرة تجولت في مدينة أوروبية وهناك اثنان في الشارع يبيعان أداة صغيرة لتقطيع الخضار والفواكه، وأتى أحد مكاسري بلدنا يحاول خفض السعر بإلحاح (رغم أنه لا يعرف إذا ما كان السعر مرتفعاً أم لا، وإنما هي تلك العادة السيئة، محاولة تخفيض كل شيء)، وبعد إلحاح المكاسر اشتد حنق أحد البائعين فهتف به: «ارجع إلى بلدك يا هذا! نحن الذين نضع أسعار سلعنا لا أنت!».
تدري؟ معه حق.