فضل بن سعد البوعينين
ضمن مسارها الثالث؛ دشنت وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية مبادرتها الرئيسة؛ «تقليل الانبعاثات الناتجة عن استخدام الوقود» والمبادرات المساندة لها؛ ومنها مبادرة «تطوير وتنمية وحماية البيئة في المدن الصناعية». أجزم أن المبادرة الأخيرة في المسار المساند هي الأهم لسكان المدن الصناعية والمدن القريبة منها؛ فسلامة البيئة وصحة الإنسان مقدمتان على أي منفعة مهما ارتفع مردودها الاقتصادي. ومع تعدد المدن الصناعية والاقتصادية؛ تبقى مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين الأكثر حاجة لتطبيق القوانين الصارمة في حماية البيئة والحد من الانبعاثات المؤثرة في سلامة البيئة وصحة الإنسان. وبالرغم من المعايير البيئية المطبقة حاليا في المدينتين؛ إلا أن التعامل مع تجمعات الصناعات البتروكيماوية في حاجة دائمة إلى مراجعة المعايير الرقابية؛ ورفع سقفها لضمان الحد من مخرجاتها الضارة. يُعتقد أن تطبيق المعايير الدولية في قياس الانبعاثات والسيطرة عليها ضمن النطاق المسموح به عالميا؛ لم يمنع من وجود الأثر السلبي على البيئة الحاضنة والتجمعات السكانية.
إضافة إلى ذلك؛ فخطط الطواريء يفترض أن تكون جزءا رئيسيا من برامج حماية التجمعات البتروكيماوية الخطرة. قد يكون تطبيق معايير الحد من الإنبعاثات الضارة مناسبا في الحالات الطبيعية؛ ولكن ماذا عن حالات الطوارئ المفاجئة الناتجة عن تسرب الغازات الكيماوية؛ أو الحريق وغير ذلك من مخاطر لا يمكن استبعاد حدوثها مستقبلا!.
إضافة إلى ذلك فإعادة تدوير ومعالجة النفايات الصناعية الخطرة جزء مهم من منظومة الحماية الشاملة. ينتج عن صناعة البتروكيماويات نفايات خطرة قد يتسرب بعضها للبيئة المحيطة في حال ضعف التشريعات وقوانين الحماية أو محدودية القدرة على معالجة الكميات الكبيرة من المخلفات في البيئة الحاضنة للمصانع. معالجة النفايات الخطرة أحد أهم الجوانب التي يجب أن تركز عليها المبادرة لمعالجة القصور الواضح فيها؛ وضعف القدرة الاستيعابية لشركات المعالجة والمناولة مقارنة بحجم النفايات الناتج عن حجم الإنتاج الضخم خاصة في مدينة الجبيل الصناعية.
تركز صناعة البتروكيماويات الأفقي في منطقتين محصورتين يساعد على زيادة معدلات التلوث ومعدلات الخطورة خصوصا وإن المنتجات البتروكيماوية تصنف ضمن المواد الأكثر خطورة في العالم بل والمدمرة بيئيا وصحيا.
فالبيئة الطبيعية لها إمكانيات محدودة تستطيع من خلالها تنقية محيطها مما يلحق بها من ملوثات بشرط ألا تزيد نسبة التلوث عن طاقتها الطبيعية. ومع الأنظمة والقوانين البيئية الصارمة بدأت معظم الدول الغربية في طرد المصانع المنتجه للمواد الملوثة للبيئة بدرجة خطرة إلى خارج محيطها الحدودي، وبعض الدول تسمح لبعض الصناعات ولكن في محيط نائي غير مأهول بالسكان ولا يعتبر من المناطق المتوقع إستغلالها للسكن أو حتى الرعي الحيواني.
كما أن الأنظمة تفرض على المصانع تقديم خدمات للمجتمع الذي تنتج من خلاله، أو بمعنى أدق تقوم بتلويثه، وتشمل هذه الخدمات بناء المدارس والمستشفيات والمرافق العامة وتوظيف سكان المدينة بصفة خاصة لأنهم الأكثر تضررا من تلك المصانع.
وتتضاعف هذه الخدمات والشروط والهبات للمدينة بحكم القانون إذا كانت هذه المصانع تقوم بإنتاج مواد خطرة على البيئة ولو بنسب متدنية.
«الاستدامة البيئية» مطلب ملح؛ وأمانة فرضها الله على عباده؛ قبل أن تفرضها القوانين البيئية العالمية؛ ما يستوجب الدفع بها لتكون من أهم مبادرات وزارة الطاقة؛ والأكثر شفافية وتفعيلا.
ولعلي أركز على مدينة الجبيل التي أحاطت بها مصانع البتروكيماويات؛ ومعامل الغاز من كل جانب؛ وفي محيط لا يتجاوز قطره عدة كيلومترات؛ وأطالب بأن تمتد المبادرة من المدن الصناعية إلى المدن الملاصقة لها؛ والمنكشفة على مخرجاتها والمتأثرة بإنبعاثاتها ومخلفاتها الخطرة؛ وأن تركز على الحد من الإنبعاثات الضارة وتكثيف محطات الرصد ونشرها بشكل واسع؛ والإستعانة بجهات رقابية محايدة لقياس نسبة التلوث؛ ومنع معالجة المخلفات الصناعية خارج مدينة الجبيل الصناعية تطبيقا للمعاير الدولية؛ وزيادة عدد شركات معالجة ومناولة المخلفات على أن تكون ضمن قائمة أفضل الشركات في التصنيف العالمي؛ وإلزام قطاع صناعة البتروكيماويات بتحمل مسؤولياته المجتمعية لمدينة الجبيل وسكانها.