محمد خالد الخنيفر
تحاول السعودية زيادة جاذبية أول صكوك سيادية في تاريخها، وذلك عبر جذب الاستثمارات المؤسسية من الولايات المتحدة الأمريكية بعدما كشفت نشرة الإصدار عن امتثال أوراق المملكة المالية بـ«مرسوم قانون دود-فرانك» (Dodd-Frank Act) لتنظيم أسواق المال.. لعلي ألخص أدناه أبرز الملاحظات التي استنتجتها حول تبعات ذلك القانون على الصكوك التي من المتوقع إغلاقها بنهاية هذا الأسبوع:
• في اعتقادي أن وزارة المالية تحاول بذل جهدها من أجل التقليل من شأن الهيكلة المعقدة لصكوكها الهجينة بعد انضواء إصدارها المرتقب ضمن الضوابط المالية التي يشملها قانون «دود- فرانك»، وكأنهم يقولون إن صكوك المملكة في امتثالها بهذا القانون تشابه الأوراق المالية المدعومة بأصول (المنتشرة بالسوق الأمريكي).
• هذا التصرف له ما يبرره، ولاسيما أن مستثمري الدخل الثابت من الولايات المتحدة الأمريكية قد استحوذوا على 45 في المائة من شريحة الخمس سنوات لسندات السعودية التي صدرت في أكتوبر من السنة الماضية، في حين وصلت نسبة اكتتابهم في شريحة الـ10 سنوات إلى 27 في المائة.. لن نعرف تبعات ذلك القرار الجوهري إلا بعد الاطلاع على التوزيع الجغرافي للمستثمرين بالصكوك.
• تسجل صكوك السعودية سابقتين في تاريخ أسواق الدين الإسلامية:
1) أول إصدار سيادي بهيكلة هجينة.
2) وأول إصدار صكوك يمتثل لـ«مرسوم قانون دود فرانك» (وقد تتبع دول عدة السعودية في هذا الامتثال عندما يقررون إصدار صكوك سيادية).
• امتثال السعودية يعني -وبحسب ما ذكر في نشرة الإصدار- أنها ستقوم بشراء ما لا يقل عن 5 في المائة من الإصدار (بمعنى ما لا يقل عن 5 في المائة من شريحة الخمس سنوات وما لا يقل عن 5 في المائة مع شريحة العشر سنوات). عملية الشراء ستتم عبر عملية بناء الأوامر وستصبح السعودية مستثمرة بصكوكها التي يدور حديث أن قيمتها يقدر لها أن تصل إلى 10 مليارات دولار. قد يسأل البعض ويقول لماذا هذه النسبة؟ الإجابة هي أن ذلك يندرج تحت قانون
«الاحتفاظ بالمخاطر الائتمانية (credit risk retention) الذي يُلزم الجهات المصدرة بالمشاركة في تقاسم المخاطر، بحيث تقف على صف واحد مع المستثمرين.
• وكاجتهاد شخصي، أعتقد أن أقرب ذراع حكومية استثمارية سيتولى شراء مثل تلك الأوراق المالية (بالنيابة عن الحكومة) هو ذراع البنك الأهلي الاستثماري (الأهلي كابيتال). وهذا البنك الاستثماري هو أيضاً مرتب للإصدار (إلا إذا كان لصندوق الاستثمارات العامة رأي آخر). لأن قانون «دود- فرانك» يعطي الصلاحية للمؤسسات المملوكة للجهة المصدرة بالقيام بعملية الشراء الخاصة بالنسبة التي لا تقل عن 5 في المائة.
• بات واضحاً لي أن اقتراح الامتثال بهذا القانون جاء أولاً من طرف المستشار القانوني (وايت آند كيس) التي تمثل البنوك المرتبة للإصدار التي من ضمنها بنوك أمريكية، مع العلم بأنه من المتعارف عليه أن تلك البنوك ستشتري جزءًا من الإصدار السعودي، وعليه لا بد لها من الامتثال لقوانين الاستثمار بالولايات المتحدة، ووزارة المالية أعطت موافقتها على مثل هذا المقترح.
ما المبررات التي قادت للمضي قدماً بعملية الامتثال؟
نأتي للسؤال الأهم: ما المبررات التي صاغتها السعودية في نشرة الإصدار من أجل تبرير قرارها في جعل صكوكها تمتثل لقانون
«دود-فرانك»؟ سأحاول قدر المستطاع استخدام الشرح المبسط لأن هذه الجزئية مليئة بالمصطلحات القانونية والمالية الفنية:
• تعد «قاعدة فولكر» من أهم العناصر الرئيسية في قانون «دود-فرانك». هناك احتمالية تشير إلى أن شراء الأوراق المالية (للصكوك) من شركة الغرض الخاص قد يندرج ضمن بنود صيغة الملكية (ownership interest).
• شددت المملكة بأنها لا تعتبر صكوكها السيادية بمثابة أداة توريق أو تصكيك (securitization) وهذا بالفعل صحيح، ويعود سبب ذلك لأن هيكلة صكوكها توجد التزاماً مالياً (obligation) على الرغم من أن الإصدار يرتكز على أصول. ومن أجل معرفة تلك الجزئية، علينا أولاً فهم الصكوك «المدعومة بالأصول» (Asset Backed) التي تضمن انتقال ملكية الأصول إلى حملة السندات الإسلامية في حالة التعثر (بعبارة أخرى، يملك المستثمرون الحق في النفاذ إلى موجودات الصكوك وبيعها في حالة حدوث حالة تعثر من جهة الإصدار).
وهنا يعتمد المستثمرون الجدارة الائتمانية لنوعية الأصول المستخدمة مع الإصدار.
وعلى الجانب الآخر، تمثل الصكوك «المرتكزة عليها الأصول» (Asset Based) السواد الأعظم من الإصدارات الحالية (بما في ضمنها إصدار المملكة الحالي). وهنا يعتمد المستثمرون على الجدارة الائتمانية للجهة المصدرة، ولذلك قالت المملكة إنها لا تعتبر صكوكها بمثابة أداة توريق وهذا الامتثال يجعل صكوك المملكة تُعامل وكأن هيكلتها مشابهه للأوراق المالية المدعومة بأصول (Asset Backed Securities) - (ABS)، وهذا غير صحيح ولكن تم الامتثال من أجل الاحتياط.
• الحجة التي قدمتها المملكة هي أن آلية استلام الأرباح ( Self-liquidating) (والمنبثقة من عملية البيع المؤجل لهيكلة المرابحة المنضوية بالهيكلة الهجينة) تعني أن الجوانب الفنية لتفصيلات «قاعدة فولكر» قد تنطبق على الإصدار السعودي. وذلك بسبب اعتماد حملة تلك الأوراق على الدفعات الدورية المقبلة من الأصول الخاصة بالصكوك.
عن قانون «دود-فرانك»
صدر هذا قانون من طرف باراك أوباما عام 2010 بهدف تجنب أزمة مالية أخرى بعد تلك التي وقعت عام 2008. بعد مجيء الرئيس الجمهوري دونالد ترمب إلى السلطة، سارع إلى إعادة النظر في مجمل الضوابط المالية التي يشملها قانون «دود-فرانك»، حيث وقع على مرسومين لتعديل إصلاحات رئيسية أدخلتها إدارة أوباما على القواعد المالية بسبب الأزمة العالمية منذ تسع سنوات. ويحمل قانون «دود-فرانك» اسمي عضوي الكونغرس الأميركي: كريستوفر دود وبارني فرانكغرد اللذين أطلقا حملة من أجل إقراره لكبح جماح الممارسات المحفوفة بالمخاطر من جانب البنوك والشركات المالية الأخرى.