عبده الأسمري
منذ سنوات كتبتُ عن البطالة وتزايد معدلاتها واستشهدتُ كثيراً بخطط «غير موفقة» لحلها، إضافة إلى تصريحات وصفتها بـ»الكاذبة» لوقف طوابيرها.. واليوم استدل بمؤشرات عدة في ظل تزايد معدلاتها رغم جهود تظل على استحياء إذا ما قورنت بالنتائج..
الأدهى والأمر أن بعض الجهات تتبارى في التصريحات وتتجاهل الحلول. لدينا مجلس شورى ينضخ بالكفاءات وميزانيات مهولة في كل القطاعات المعنية ولجان شكلت منذ عقود ولكن الحلول غائبة.
دعونا نبحث سوياً في الوظائف الحكومية على سبيل المثال، ولنعود إلى مخرجات الجامعات والابتعاث ومتطلبات القطاعات من وظائف، وعلينا أن نعود إلى الاحتياج الفعلي والابتكار في تجديد الدماء وهيكلة الأعمال، سنجد أن هنالك خللاً يتعلق بأمور عدة نتجت من وجود تخصصات عتيقة في الجامعات لا تزال تقدم «الترضية» لأصحاب المعدلات المنخفضة من خريجي الثانويات لتهيئهم ليكونوا طابوراً إضافياً في معدلات العاطلين، كذلك استقبال المعاهد المتخصصة والكليات الحديثة لأرتال من الخريجين والخريجات دون أن يكون هناك دراسة مرتبطة ما بين سوق العمل والتخصص. فظلت الأعداد تتزايد بين طرفي المقبولين والخريجين، فأصبحت البطالة تتزايد وكأنه يخطط لرفعها لا القضاء عليها.
لدينا أزمة مزمنة وهي «الواسطة»، وهي موجودة وبكل حيادية، فإن من يديرها ويقوم على لبس ردائها هم من كبار الشخصيات، بينما تضيع الشفاعة إذا وصلت إليهم بشهادات المؤهلين من ذوي الشهادة والخبرة. وإذا بحثنا في تفصيلات التوظيف لوجدنا «خبث» الواسطة يظهر في السطح ويتجلى بجذوره في الأعماق.
الواسطة جزء من المشكلة، بل وفرضت مناخاً من الفوضى في التوظيف وأسهمت في تأسيس البطالة، فالشباب باتوا لا يكلفون أنفسهم البحث عن الوظائف، ليقينهم بتفشي هذا الداء خصوصاً في بعض المواقع والشركات والجهات التي اشتهرت بذلك، ناهيك عن شيوع مفهوم توظيف الأقارب وترقية الشلة ومعاونة الساكتين عن هذا المخطط.
البطالة والواسطة اتجاهان، وكل واحد منهما مرتبط بالآخر، ولكن البطالة هي العمق الأقوى، فإذا ما تم ترشيد القبول وإلغاء التخصصات ووضع إستراتيجية للتدريب والحرفية وتم بتر جذور الواسطة لتم تقليص نسبة البطالة ثم كشف رداء الواسطة البائس ومعرفة من كان يسير وهو يرتديه ليوظف السوء ويحارب المنطق.
في ظل هذا الركود والتجاهل لمشكلة مثل البطالة تحولت لظاهرة، وأخشى أن تصل إلى حد الكارثة، مما ينعكس سلباً على مقدرات المجتمع والتنمية ورفع الجريمة وارتفاع الظواهر السلبية الأخرى وسلبيات مجتمعية متكررة، فإن الأمر يحتاج إلى حلول عاجلة والتعامل مع البطالة كحالة «طوارئ» حتى يتم احتواء الوضع خصوصاً أن السعودة منذ زمن وهي تسير بالتصريحات في أفق وآمال عريضة ولكنها في الواقع تتجه بطريق عكسي إلى الخلف والأعداد في تزايد.
لا أعلم لماذا لا تنظر وزارات الخدمة المدنية والعمل والتنمية الاجتماعية والتخطيط والتعليم في خطة مفصلة بالتعاون مع مراكز دراسات حتى ولو من الخارج، علماً بأن الجامعات تكتظ بالخبراء القابعين على مكاتبهم دون جدوى لاحتواء فعلي واحترافي لظاهرة البطالة. مع متابعة «الخلل والفوضى في الوزارات من قبل المباحث الإدارية وديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق وهيئة مكافحة الفساد» لمعرفة الجذور الحقيقية للواسطة وتقليب الأوراق وفتح الملفات المغلقة، علماً بأنهم سيجدون مئات المخالفات وأموالاً تذهب سدى ناهيك عن وظائف يجب إلغاؤها وأخرى استحداثها.
الأمر وفق مقدرات الوطن وواقعنا ومستقبلنا المفترض يدعو إلى الخجل، وأصابع الاتهام تتجه إلى الوزارات المعنية ورجال الأعمال والشركات المصفقين للخبرات الأجنبية بعيداً عن الإنصاف الوطني، ولعل عملاً جاداً وفاعلاً ومخططاً له ورقابة عاجلة تحدد الإدانة على المتسببين فتحاسبهم وتغيرهم وتستبعدهم، وتضع خططاً كفيلة بالقضاء على الظاهرة تدريجياً عبر جهود مقترنة بالعمل والنتائج لاغية كل التصريحات الوهمية.