أ.د.عثمان بن صالح العامر
قبل سنوات ليست بالقريبة حدث لأحد الأصدقاء حادث مؤلم أجرى على أثره عمليات عديدة داخل المملكة وخارجها، يقول من بين الأطباء الذين ذهبت إليهم طبيب ألماني مشهور عالمياً في جراحة الأعصاب، وله عيادة متخصصة في مستشفى شاريتيه «المستشفى الجامعي المعروف ببرلين»، وقد قال لي بالحرف الواحد بعد أن أجرى عليّ جميع الفحصوات السريرية، (عليك أن تخضع لعلاج نفسي قبل أن أجري لك العملية، إذ أن ما سوف أقوم به لا يعدو أن يكون 50%، و25% يباشره الطبيب النفسي من خلال العلاج الإكلينيكي، والبقية 25% تحصل عليها في العلاج الطبيعي ومرحلة الاستجمام بعد العملية وهي مرحلة مهمة جداً للمريض).
* إن المتأمل في قول الله عز وجل عن يعقوب عليه السلام حين فقد ولده يوسف عليه السلام (وابيضت عيناه من الحزن) يجزم أن الأمراض النفسية تصيب الكل الصالح والطالح نتيجة ظروف معينة وجراء تداعيات وأسباب محددة، وأن لها أثرها القوي على العلل الجسدية التي نراها ظاهرة في جسد الإنسان وقد تعكسها ملامح وجهه، والعكس بالعكس فالصحيح نفسياً قد يعجل هذا في تماثله للشفاء - بعد عون الله وتوفيقه - من الداء الذي ألم ببدنه سريعا، وهذا مشاهد في حياتنا الواقعية كما هو معلوم.
* مشكلتنا أن غالبيتنا لا تعترف بخطورة ما يترتب على ما يجري في هذه الحياة من حوادث وأزمات شاء الله عز وجل أن تكون من مستلزمات العيش على هذه الأرض، ولذلك فهو لا يكترث بأهمية تعاطي العلاج النفسي للأمراض المصنفة عند أهل الاختصاص أنها (أمراض) تحتاج إلى زيارة الطبيب والخضوع لجلسات مبرمجة بشكل علمي دقيق.
* والمشكلة الثانية فيمن يعترفون بالخطورة ويؤمنون بأهمية المبادرة بالعلاج، أنهم يصفون العلاج لأنفسهم بأنفسهم أو أنهم يستشيرون من ليس أهلا للاختصاص فيضر ولا ينفع حتى تولد من أمراض نفسية عارضة تمر على بني آدم في هذه الحياة كالاكتئاب أو الوسواس القهري أو الرهاب الاجتماعي مشاكل اجتماعية لا تخفى من طلاق وشك وهروب من البيت وربما وقع رب الأسرة «الزوج» فيما هو أسوأ كتعاطي المخدرات وتناول المسكر اعتقاداً منه أن في هذا الانحراف العلاج - حمانا الله وإياكم من ذلك - مع أن علاج ما ألم به سهل وميسور لو ذهب إلى أهل الاختصاص وسمع ووعى عنهم ما يقولون.
* والمشكلة الثالثة أن من يؤمن بوجوب عرض الأمر على طبيب مختص يحجم عن الذهاب إليه خشية من المجتمع وخوفاً من أن يوصم بالجنون، فنحن في مجتمعاتنا الصغيرة نربط بين هذا النوع من الأمراض وفقد العقل لاسمح الله، ولذلك نستعيب الذهاب إلى الطبيب النفسي خلاف غيره من الأطباء.
* والمشكلة الرابعة أن المقتنعين منا بأهمية الشخوص عند الطبيب النفساني المختص يصدمون بارتفاع تكاليف العلاج النفسي وجشع العيادات الخاصة في ظل ضعف إمكانيات وزارة الصحة وعجزها عن الوفاء بمتطلبات المجتمع المتزايدة جراء إيقاع الحياة المعاصرة الصعب المليء بالمنغصات والمتسارع بشكل كبير يفوق التوقعات.
إنني من أنصار الطب النفسي والتوعية بأهميته ومن قرأ في كتب الفلاسفة القدماء والأطباء المبرزين علم منزلة النفس في تكوين بني آدم ووجوب رعايتها وعلاجها، وهنا أسجل بكل الشكر والتقدير جهود عدد من الأطباء النفسانيين السعوديين في التوعية والتثقيف النفسي المختص من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة خاصة في يوم الصحة العالمي للاكتئاب (7 أبريل) في كل عام، الذي ينعقد هذا العام تحت شعار (الاكتئاب: دعونا نتحدث عنه)، دمتم بود وصحة وسلام والسلام.