د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
تجاوزت معدلات البطالة في تقرير أخير لساما الـ11 %، وتجاوزت النسبة هذا الرقم بين الإناث. هؤلاء جميعهم شباب، صرفنا المليارات لتعليمهم وتأهيلهم ليخدموا وطنهم. ولا شك أن هذه النسب - كالعادة - متحفظة جدًّا، ولا تتطرق لطبيعة الأعمال والوظائف التي يعمل بها الشباب السعودي، ومدى مواءمتها لمؤهلاتهم. والمخجل حقًّا أن نسبة توظيف السعوديين في القطاع الخاص لا تتجاوز الـ15 %. أي أنه بمقابل كل شاب سعودي عامل أو عاطل هناك سبعة موظفين وافدين.
الحكومة أغدقت في العقود الأخيرة، وما زالت تغدق الإعانات لهذا القطاع الذي يشبه قطاعًا أجنبيًّا وُجد جغرافيًّا بالخطأ في المملكة. فبالرغم من المساعدات والقروض الضخمة التي يتمتع بها يعمل هذا القطاع كل ما في وسعه ليتنصل من توظيف الشباب السعودي، مع العلم أن معظم البضائع التي ينتجها قطاعنا الخاص هي بضائع لشركات أجنبية، تجمع فقط على أرضنا، وتستفيد من تسهيلاتنا، ونحصل مقابل هذه التسهيلات على كتابة عبارة «صنع في المملكة العربية السعودية». ومع ذلك تباع هذه البضائع في أسواقنا بسعر البضائع المستوردة؛ ما يدفع المواطن للتساؤل حول فائدة دعم هذا القطاع. نحن في الواقع لا نملك قطاعًا خاصًّا وطنيًّا حقيقيًّا، بل نملك قطاعًا خاصًّا هجينًا، يعتمد على الإدارة التقنية الأجنبية التي تجد التعامل مع العمالة الوافدة من بلدانها الأصلية أسهل من التعامل مع الشباب السعودي. لدينا أضخم شركات الإنشاءات - على سبيل المثال - وعندما تدقق في طرفها الآخر تجده أوروبيًّا أو كوريًّا أو تركيًّا، ولدينا بطالة عالية بين المهندسين المدنيين.
والجميع تقريبًا يعرف أن البضائع المستوردة لدينا، خاصة المحتكرة، بما فيها بضائع حيوية كالأدوية، تباع بأسعار مرتفعة جدًّا في أسواقنا مع غياب الضرائب قبل مرحلة إقرار الرسوم الحالية. فوضعنا الاقتصادي الخاص - باستثناء بعض الشركات الوطنية المنتجة كشركات البتروكيماويات - مؤسف حقًّا. والغريب أننا سمحنا لبعض شركاتنا شبه الحكومية بأن تستقدم شركات بتروكيماويات أجنبية؛ لتنافس شركاتنا السعودية الناجحة. وأكاد أجزم أن 15 % من السعوديين في القطاع الخاص معظمهم في قطاع البتروكيماويات والاتصالات.
التقرير المؤلم يحدد النسبة العظمى من العاطلين من الشباب بين عمر 15 - 35، العمر الحرج الذي يكون فيه الشباب في قمة عطائه، ويشكِّل المرحلة العمرية التي يمكن للشباب فيها الزواج وتشكيل أسر. ونحن مجتمع بالطبع يعول كثيرًا على النظام الأسري الاجتماعي كعامل استقرار عاطفي وديني وأخلاقي. ولكن الملاحظ - وللأسف - نتيجة لوضعنا الشاذ أن هناك رواجًا كبيرًا لزيجات المتقدمين في السن الراغبين في التعدد أو التذوق، وفي ظهور زيجات مؤقتة لم تكن معروفة قبل، تدور حول أمر واحد في الزواج، ولا تسهم بأي شكل من الأشكال في الاستقرار المجتمعي. وهذه الزيجات تستغل الحاجات المادية لبعض فتياتنا.
البطالة خسارة استثمارية كبرى، لا تعني فقط بقاء آلاف الشباب عالة على ذويهم وعلى المجتمع، ولا تعني فقط انتشار كثير من الأمراض الاجتماعية وفقدان الأمل لدى الشباب، بل تعني أيضًا خسارة كبيرة في الاستثمار التعليمي المحلي والخارجي. نتكلم كثيرًا عن البطالة - للأسف - وكأنها قدر محتوم علينا.. نعلن نسبها، ولا نبحث بعمق عن أسبابها، وتحولت معالجتنا لها لما يشبه حرب الطواحين الهوائية، نبحث عن كل حل معقد وتخريج ملتوٍ، يحوم حول حمى توظيف الشباب، ولا يدخل في صلبه. فالبطالة لم تهبط علينا من السماء، وسببها واضح شاخص أمامنا: 11 مليون وافد أجنبي. هؤلاء لا يدخلون البلاد مصادفة أو خلسة؛ فبلادنا - ولله الحمد - محمية، وحدودنا محفوظة. كثير من هؤلاء استقدمهم الطمع والجشع وضعف الولاء الوطني. فلدينا تجار لا يعرفون ما يفعلون بالمليارات التي جمعوها في وقت قياسي من قروض الوطن ومن تسهيلات الوطن، ويفضل بعضهم التبرع بمليارات للخارج، وبعضهم اشترى أحياء ومصانع بكاملها في الخارج، ولكنهم لم يعرفوا أن منح شاب واحد من شباب الوطن فرصة العمل والعيش الكريم أهم وأكثر وطنية، وربما أكثر تقربًا عند الله من أي عمل آخر.
البطالة والإسكان ملفان في غاية الأهمية الوطنية والأمنية، وتحويل الشباب إلى قوة عاملة منتجة يجب أن يكون أولوية وطنية قصوى. ولا بد من التحرك بحزم لتوظيف الشباب في الوظائف الموجودة حاليًا؛ وهذا يتطلب فقط عدم تجديد الفيز لأي كان ولأي وظيفة يمكن أن يشغلها مواطن، وأن نسارع لقصر المهن والأعمال التجارية على المواطنين، وأن نفتح أفق الأمل لشبابنا، وأن نجعل منه شبابًا منتجًا عاملاً لا عالة عاطلاً. الحلول متاحة وقريبة، وليست معقدة، ولا تحتاج لنطاقات ولا ألوان.. تحتاج لقرارات واضحة ومتابعة لصيقة صارمة.