(شاعر تفوح من شعره رائحة ملح الجريف)
هو إبراهيم بن دخيل بن حسن بن حسين بن سليمان الخربوش
ولد في الرس وتوفي فيها عام 1325هـ، كما ذكر ابنه محمد الذي يهتم بالتوثيق وكتابة الأحداث في الرس. عاش في الرس كفيف البصر, وكان له دور بطولي كبير في بث روح الحماس في نفوس أهل الرس، وترغيبهم للدفاع عن بلدتهم أمام المعتدين بشعره الحماسي.
يسمى (شاعر الحرب والحماسة) في الرس، واشتهر بقصائد العرضة التي يرددها الناس في أفراحهم واحتفالاتهم. قال عنه فهد الرشيد في كتابه (شعراء من الرس): «وتسنم ذروة الشعر الشعبي بين أقرانه إذ ذاك, وكان من الجزالة وحسن السبك ما جعل مواطنيه يحفظون الكثير من أشعاره رغم كثرتها وتنوع أغراضها». ثم قال: «وكان هو شاعر الحرب والفخر في بلدة الرس لغيرته على وطنه، وشجاعته المعنوية، وحماسته لتعداد مناقب بني وطنه وعاداتهم في حماية ديارهم وصدهم لعدوهم».
ورد في الوثيقة التي كتبها ابنه محمد أنه عندما جاء الملك عبدالعزيز إلى الرس لمعركة وادي الرمة عام 1322هـ طلب من أهل الرس تزويد الجيش بالذخيرة فسارع والده الشاعر إبراهيم بن دخيل بتسليمهم ما لديه من ذخيرة (فشك).
نماذج من شعره
1- القصيدة الحربية المشهورة عند أهل العرضة، ويشدون بها في كل مناسبة. عندما دارت الحرب في الرس رفع الشاعر إبراهيم الخربوش الراية أمام أهل الرس الذين تهيَّؤوا لمحاربة عدوهم، ورفع صوته بشعر قوي وجزل بقصيدة، تفيض أبياتها بالحماس والشجاعة مخاطبًا في مطلعها الطيور الجارحة بأن ينتظروا وجبة العشاء من الأبطال الشجعان من أهل الرس, ويذكر فيها أهل الرس وشجاعتهم في لقاء العدو؛ إذ يحملون في أيديهم السلاح القاتل الذي عُبّئ بملح الجريف المشهور؛ ليجزّوا به رقاب الأعداء.. يقول فيها:
يا طير يا للي بالجذيبة تراعينا
يتنى العشا لين المناعير يرمونه
يا طير قل للذيب وإن جاع يتلينا
يتلى عيال بالملاقى يعشونه
يتلى عيال بالملاقات ضارينا
عطشان مصبوب الخماسي يروونه
والله ما جينا من الرس عانينا
إلا ندور الحرب ياللي تدورونه
من يوم سرنا والمنايا تبارينا
واللي ورد حوض المنايا تعرفونه
معنا سلاح ننقله في يمانينا
ملح الجريف محيل له يزلونه
إلى برز جمع المعادي وهدينا
كم مبلج خلف المتاريس ياطونه
يا ما حلا قولة هل الحزم ردينا
خوف الملام وخوف علم يقولونه
ربعي هل العادات بالعسر واللينا
واللي تمنا حربنا تسهر عيونه
لعيون من يلبس ثويب السباهينا
كنه هديب الشام يمشي على هونه
2ـ القصيدة الحربية الثانية قالها يفتخر فيها بربعه أهل الرس، ويشيد بدور ملح في الجريف الذي يقوم أهل الرس بصناعته في الحروب؛ إذ كانوا يستخدمون البنادق في حروبهم، ويحتاجون لها لملح البارود الذي يصنعونه في الجريف. كما يشيد بشجاعة أهل الرس الذين يتقدمون في الحروب، ويدافعون عن المظلوم، ويفكون الضعيف, قال فيها:
سلام يا ربع يصفون الجريف العتيق
هو ملحهم بالكون عابينه نهار الزحام
حنا نهار الكون عادتنا نفوج الطريق
لو هو مضيق ننتحي لمّه سواة النظام
والله يا منهو تمنى حربنا ما يليق
واللي زبنا ننتحي دونه وعينه تنام
واللي قعد عن ربعته لا تجعلونه رفيق
خله مع الخفرات خَدّام لسمر اللثام
الله من خل على لاما خليله شفيق
خِلِّي طريح للضرى غاش عليه العسام
3ـ القصيدة الحربية الثالثة قالها يفتخر فيها بقومه، ويشيد بشجاعتهم وبطولاتهم لما لهم من صولات وجولات في حروبهم مع إبراهيم باشا والحروب التي تدور بين القبائل التي تسكن حول الرس.. كما يطلب من قومه الذين يسمون (صبيان الحزم) بناء سور للبلدة يحميها من الأعداء، قال فيها:
يا طير ياللي لك على الداعي عميل
تراك مرسالي نهار اكوانها
سلم على اللي حط الأجرب له عميل
كل الحرايب والمراجل شالها
إلى ركب بنت الأعبيّة والأصيل
لازم يوردها على عدوانها
يالله طلبت هداك والصبر الجميل
وأشوف نجد شالني زلزالها
تسببوا للدار بالسور الطويل
لو كان سوره في يمين رجالها
الدار مطلوبة وكل له حليل
وإن جا نهار الضيق نحمي جالها
ربعي هل البيرق إلى هاب الذليل
وإن شافت العين الحريب قبالها
يا لابتي شيّالة الحمل الثقيل
صبيان حزم تعجبك بأفعالها
عندي لكم رأي إلى هاب الذليل
ندوس جميع عيالها بعيالها
4ـ والشاعر إبراهيم بن خربوش بنى له قصرًا ليسكنه في بلدته الرس, ثم أراد أن يصف هذا المسكن بأنه مقر للجن، ويرتاده قوم يأجوج ومأجوج مستعينًا بالله فقال:
بنيت لي قصر طويل معتلي
به كل ما يِذْكَر وحيش ينزلي
به جوج وماجوج وما لَمّ البحر
وجدرانه الضلعان دونه تِقْفَلي
ولا بنيت القصر من دون الل
وكل ما قلته بتصخير الولي
قصر لابن خربوش هذا خطه
شوك البَلَنْزَا دون بابه تصطلي
بابه من البأس الشديد مركّب
تسعين عام بالمعاسر يِشْغِلي
دَوّاسِتُه بقعا تنشر بَيَارقه
حيثه على المخلوق بلوى تنزلي
يَرْكَى على مثل الجبال النايفة
صواعق من زمهرير تنزلي
وبروجه النار اللضية تلتهب
ومالك يقول النار ما هي تِنْتِلي
الإنس حامينه عنهم لا يجون
والذيب دون الجن بابه يِهْذِلِي
حطيت به ملح الجريف ولابِتِي
حمّاية اللي جاء الملاقا تجهلي
إلا تناخوا وثارت الحزمية
باعوا على المجرم بحبه خَرْدِلي
وحطيت به موس شطير قاطع
يزلق شوارب كل دِحْش يزعلي
5ـ والشاعر إبراهيم بن دخيل الخربوش يطرق باب الغزل في شعره, ويقول في تلك القصيدة:
بدا يالقيل عَسْرَات بناياه
تداولنّه غريبات حيامي
يقوله من شقى قلبه وعنّاه
وعينه حاربت حلو المنامي
ياحمّاد أنا ما شِفْتْ حلياه
شبيه صويحبي بدر التمامي
إلى منّه تخطّا لا تباطاه
سريع خطاه من مَشِي الحمامي
تِمَدْرِي والردايف كيف يقوا
عذاب الثوب إليا خضّع وقامي
ألا يا ليت لي عين تحلاّه
إليا قضّ الجَعَد وأرخى اللثامي
كساها ناعم بالطيب غذّاه
كما ذيل العَرِيْبِة بالقِثَامِي
ترى لو هو يجسّم كان يلقاه
على الأجواد لو رَدّ السلامي
لقيت القلب ما ينسى سَوَايَاه
ولو غِبْتْ أنا في بحر الظلامي
6ـ وهذه قصيدة قالها إبراهيم بن خربوش على طرق ثلاثي, وهو يفتخر بشجاعة أهل الرس، ويذكر ملح الجريف الذي يقوم أهل الرس بصناعته في الربوة المعروفة بالرس (الجريف) ويتحدى العدوان:
يا طير ياللي تحوم
وإن كان تبغي اللحوم
ميعادك أكواننا
ناعدك يم الطرافي
نأخذ به الحق وافي
هذيك عاداتنا
يادار لا ترهبين
دونك مروي السنين
نرضيك بأفعالنا
وإن ثار ملح الجريف
توحي لحسّه رجيف
يرجح بميزاننا
كم من صبي طريح
عليه بِيْض تصيح
نهار مركاضنا
حنا ندوس العدا
ما همّنا من بدا
إن ردّ عدواننا
عدونا للثرى
لا قام يرجع ورى
غاطيه دخاننا
معنا ليوم الزحام
زاهب لمضرابنا
7ـ وله قصيدة تدل على حبه للقصيد وشغفه لمشاركة ربعه في سمرهم وأنسهم في ليالي السمر مع شيلة قصائد الغزل مع السامري وقصائد الفخر مع العرضة النجدية. وعندما كان يأوي إلى النوم في ليلة مقمرة سمع صوت الغناء من نساء كنّ يتسامرن عند باب الخلا في بلدته الرس بعد التعب من العمل, وهاج في نفسه حب الطرب والقصيد فقام من فراشه فزعًا، وأسرع حافي القدمين باتجاه الصوت, وأثناء سيره عثرت رجله في شوكة أدمتها، ولكنه استمر في سيره ناحية الصوت. وعندما وصل انبطح على بطنه حتى لا يراه النساء، وأخذ يتراقص ويصفق كأنه وسط المحفل. فقال قصيدة لم أعثر منها إلاّ على بيت واحد فقط تُغنّى على طرد الصخري. مطلعها:
ألا جعل الهوى ما له توالي
ودُوْك الرِّجِِلْ من طرده حفيّة
كما أن للشاعر إبراهيم الخربوش قصائد أخرى لم نتمكن من حصرها. وقد ضاعت من عدم وجود الرواة الذين يحفظونها, ولم يتمكن أحد من كتابتها من الشاعر أو من غيره.
عبدالله بن صالح العقيل - الرس