يتجه عالم اليوم بسرعة هائلة نحو تعددية وتنوع القوى العاملة في شركات الأعمال الكبيرة، ويلقى هذا التنوع اهتماماً متزايداً في الوقت الحاضر نتيجة انفتاح المنظمة لتصبح أكثر شمولًا، وأوسع ثقافة، وأكثر إبداعًا، تحترم تفرد الشخصيات وتنوعها. ويشار إلى هذه الظاهرة التنوع في القوى العاملة في أدبيات إدارة الأعمال بمصطلح Workforce Diversity وهو بصفة عامة مجموعة مميزات ديموغرافية التي تميز القوى العاملة من حيث الجنس، العرق، العمر، الديانة، الجنسية، الأصل القومي، المذهبي، السياسي وغيرها من الميزات التي تعرفها التجمعات البشرية Gary Dessler,Human Resource Management;2012)). الذي تطور إلى حقل معرفي كتبت فيه الكثير من الكتب والمقالات وعقدت الندوات والمؤتمرات لمناقشته، كذلك هناك دورات تدريبية مكثفة تتناول هذا الموضوع. وتقدم الشركات الاستشارية في هذا المجال خدماتها لكبريات الشركات لتمكين المديرين والمسؤولين من بناء ثقافة تنظيمية متسامحة وتتقبل الآخر وتحترم خصوصياته، والاستفادة منه وتوظيفه بشكل إيجابي ليتحول من سبب للصراع إلى محرك للإبداع ومعزز للقدرة التنافسية، حيث يفترض في ثقافة المنظمة أن تكون حاضنة للكفاءات التي تمتزج فيها الأعراق والثقافات والخصائص الأخرى لتعطي نتائج متميزة في الأداء.
ظهر مفهوم إدارة التنوع واكتسب زخمًا في الولايات المتحدة في أواسط ثمانينيات القرن العشرين. وفي هذا الوقت اشترك المتخصصون بالمساواة والإجراءات الإيجابية المعينون من قبل الشركات الأمريكية جنبًا إلى جنب مع مستشاري المساواة في إقامة الحجة على أنه يجب النظر إلى التنوع في القوى العاملة كميزة تنافسية وليس كقيود قانونية. (نورة سعود بن معيقل، إدارة التنوع: 2015).
إن أهم المزايا التي يوفرها تنوع القوة العاملة في شركة ما بحسب ما أشارت الكثير من الدراسات هو تنوع الخبرات والمهارات وأساليب التفكير وإمكانية تقديم مبادرات وأفكار جديدة تفيد الشركة كثيراً خصوصاً في فترات الأزمات والحاجة، وارتفاع دوران العمل ونزوح العاملين، الأمر الذي يعني تكاليف إضافية للتعاقد مع عاملين جدد ودفع غرامات ومعالجة شكاوى العاملين الخارجين من الشركة. وعلى العكس فإن احترام التنوع وإدارته بشكل جيد يمكن أن يؤدي إلى استقرار وظيفي وبالتالي خفض التكاليف. ولعل الإبداع والإتيان بشيء جديد هو عنصر المنافسة الأساسي في عالم اليوم، وعادة ما يحاول أعضاء الفئات المتنوعة إثبات وجودهم من خلال المثابرة وتقديم ما هو متميز وجديد. وتعمل إدارة التنوع على بناء التنوع الثقافي في المنظمة والمحافظة عليه، لذا تلجأ شركات الأعمال الكبيرة إلى تنمية الثقافة التنظيمية المتعددة Organizational Multiculturalism والتي تشمل على إزالة الفروقات والتحيز وضمان وجود قوة عمل متوازنة وتُقلل من النزاعات الهدامة داخل المنظمة. (الغنام، إبراهيم، المهارات الإدارية لرجال الأعمال: 2007).
كما أن هناك مخاطر عدة وتحديات لإدارة التنوع من أهمها: السقف الزجاجي glass ceiling ويعني منع أشخاص للوصول إلى مناصب بسبب العرق رغم كفاءتهم، وهو حاجز غير مرئي تعاني منه عادة النساء أو الأقليات العرقية يحد من تقدمهم إلى الوظائف الإدارية العليا في الشركات الكبرى رغم كفاءتهم بسبب كونهم من فئات أخرى غير فئات الأغلبية المسيطرة.. الجدران الزجاجية glass walls وتعني التفرقة في المزايا التي يحصل عليها الموظفون في المرتبة نفسها بسبب العرق أو الجنس، كالتفرقة في الرواتب للمستوى الوظيفي الواحد بين الذكور والإناث. كذلك من السلبيات الشائعة والمنتشرة الحكم المسبق (الحكم المتحيز ضمن القوالب الجاهزة) على الأفراد والجماعات، فكثيراً ما يطلق حكم عام وسريع بأن من تسبب في مشكلة معينة هو من العرق الفلاني أو الجنسية الفلانية وإنهم معروفون بهذه المشكلات. وأخيراً فإن من السلبيات الأخرى هي ما يسمى تضخيم الدور للعامل الذي ينتمي إلى أحد الفئات المتنوعة، حيث يطالب بعمل وإنجاز أكثر من غيره أو إرهاقه بأعمال أكبر من طاقته، مما يؤدي إلى تأثر سلوك الأفراد وتراجع الأداء. (العامري، صالح. إدارة تنوع القوى العاملة في الشركات الكبرى: 2016).
وختاماً فإننا نشير إلى مسيرة البناء لهذا الوطن تسجل بكل فخر واعتزاز مكانة المملكة في مجال الأعمال وإدارة التنوع في شركاتها، وقد تمثل ذلك في نماذج عديدة بانتهاج إستراتيجيات محددة جمعت ما بين تحقيق التنوع في أعمال المجموعة المؤدي إلى تكامل أدائها من جهة والالتزام التام بتقديم أعلى مستويات الجودة والخدمة والحلول التقنية الاقتصادية ضمن إطار عام تميز بالاحترافية والشمولية والانضباط التام بمتطلبات العملاء من جهة أخرى, مما أكسبها منذ نشأتها سمعة رفيعة من المهنية والابتكار والخدمة الفائقة والسرعة والدقة. وكان لشركة اليمامة الشرف في إنشاء أول شبكة مياه في المملكة العربية السعودية تأسيسها في عام 1371 هجرية الموافق 1952 ميلادية كما أن حجم أعمالها لا يزال في ازدياد مستمر، وقد سطرت المجموعة سجلاً حافلاً من المشاريع المنجزة من قبل كوادرها البشرية المؤلفة من أكثر من ثمانية عشر ألفاً (18000). وكذلك الشركة السعودية للصناعات الأساسية (وتعرف أكثر باسمها المختصر سابك «SABIC») وهي واحدة من الشركات العالمية الرائدة في صناعة الكيماويات المتخصصة، والبلاستيكيات المبتكرة، والأسمدة، والبوليمرات، والمعادن. ويعمل في سابك حالياً أكثر من 40000 موظف في أكثر من 100 بلد على الخريطة الدولية. وأيضاً أرامكو وشركة الاتصالات السعودية STC وغيرها من الشركات الناجحة. كذلك يدرك معلمونا وقادة مدارسنا أهمية إدارة التنوع بوعي وذكاء والاستفادة من كل أشكاله لشحذ الإبداع وتحقيق الأهداف المرجوة من التعليم. وفي رعاية الفكر السوي الذي يدعم تقبل الاختلاف والتنوع وتعزيزه، ويؤمن أن هذا التنوع هو مجال خصب لنمو الوطن وازدهاره. إن تحويل المدارس إلى بيئة حاضنة للتوازن والتنوع والحوار، وتقبل الآخر، واحترام تميزه وخصائصه التي قد تكون مختلفة عما لدينا، لهو حجر الأساس لقيام وطن متماسك ومجتمع متناغم واقتصاد مزدهر.
- طالبة ماجستير MBA - جامعة القصيم