د. عبدالواحد الحميد
لفت انتباهي التركيز على الصناعات الدوائية ضمن مسار «تطوير الصناعات الإستراتيجية» في منظومة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية التي أطلقتها وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية مؤخراً في إطار برنامج التحول الوطني، وقد بلغت مبادرات الوزارة مائة وثلاث عشرة مبادرة.
هناك صناعات استراتيجية أخرى مهمة أيضا وردت ضمن مبادرات الوزارة، لكن الصناعات الدوائية -في تقديري- تنطوي على أبعاد استراتيجية شديدة الأهمية، ولذلك أتمنى أن يأتي الإنجاز بحجم التوقعات وبحجم أهمية هذه الصناعة.
أتخيل وطناً ننتج فيه الكثير من احتياجاتنا الدوائية ونبيع الفائض من هذه المنتجات. وهذا يعني أن ترتبط جامعاتنا ومعاهد البحوث والدراسات عندنا مع الشركات التي تصنع المنتجات الدوائية. فنحن لدينا، حالياً، مصانع للأدوية في بعض مدن المملكة، لكنها في معظم الحالات مراكز لتجميع ما تستورده من مكوِّنات الأدوية والمستحضرات الطبية، ثم تقوم بتغليفه وطرحه في الأسواق المحلية.
أدرك أن هذه الصناعة صعبة وتتطلب قاعدة بحثية صلبة وعريضة وجيوشاً جرارة من العلماء والباحثين الذين يواصلون الليل بالنهار في عمل دائب داخل مختبراتهم العلمية لابتكار الجديد من المنتجات.
هذا، بالتأكيد، يتطلب جهوداً كبيراً وإنفاقاً هائلاً على البحث العلمي قد لا تستطيع الشركات تحمله في المدى القصير. وعلى سبيل المثال، فقد بلغت تكليف البحث العلمي لشركة الأدوية الأمريكية العملاقة «فايزر» ثمانية مليارات دولار في عام 2007، وبلغت تكاليف البحث العلمي في شركة أمريكية عملاقة أخرى لإنتاج الأدوية، هي شركة «جونسون أند جونسون»، حوالي خمسة مليارات ونصف المليار من الدولارات في العام نفسه! وقد لا تستطيع شركات الأدوية استرجاع ما أنفقته على تطوير دواء معين إلا في المدى الطويل وقد لا تتمكن من ذلك على الإطلاق. وقد زادت التكاليف منذ ذلك الوقت وصارت في بعض الأحيان أضعافاً مضاعفة.
لذلك نحن بحاجة لصناعة دوائية راسخة وقوية طالما أن الدولة اعتبرت هذه الصناعة ضمن الصناعات الإستراتيجية في إطار برنامج التحول الوطني. وبمعنى آخر، نحن بحاجة إلى برامج أخرى موازية لتشجيع البحث العلمي وإيجاد كوادر وطنية قادرة في المجال الصيدلاني والكيميائي وفي مختلف التخصصات ذات العلاقة إذا كنا سنقيم صناعة دوائية ناهضة لا تكتفي باستيراد مكونات الأدوية والمستحضرات الطبية ثم تعيد تغليفها وتسويقها باسم المُنْتَج الأصلي أو بمسميات محلية.
ولعل من إيجابيات هذا النوع من الصناعات أنه يتيح لأبنائنا وبناتنا فرصاً نوعية متميزة للعمل والتوظيف. صحيح أن الطاقة الاستيعابية التوظيفية لهذا النوع من النشاط لن تكون كبيرة بحكم تركيزها الأساسي على عنصري التقنية والتجهيزات المتقدمة لكن التوظيف المتحقق سيكون نوعياً ومتميزاً وهو ما نريده لأبنائنا وبناتنا.