د. محمد عبدالله العوين
لا أدري لم تحمل وزارة الإسكان نفسها ما لا تطيق بتكفلها بالمنتج السكني؛ فيلة أو شقة من الألف إلى الياء، بمعنى أن تكون هي المخطط والمنظم والمانح والمشرف من طق الخنزيرة إلى تسليم المفتاح!
إن هذا العبء الثقيل لن تستطيع الوزارة النهوض به في فترة زمنية قصيرة كما تعد في تصريحاتها وتمني المواطنين بأن إنجازات الوزارة ستتوالى تباعاً خلال عدة أشهر في كل منطقة أو مدينة من مدن المملكة.
فالجميع يعلم العوائق الكثيرة، ويعلم أيضاً أن إنجاز البناء بصورة متعجلة من أجل إسكات ملايين المنتظرين سيؤدي إلى عدم الإتقان وحدوث نقص أو إخلال بكثير من الشروط الفنية الضامنة لسلامة المبنى؛ كما تبين لاحقاً بعد أن استلمت الوزارة مشروعات سكنية تصل إلى آلاف الوحدات واعترفت بعدم رضاها عن تساهل المقاولين في الالتزام بالشروط الدقيقة التي وضعتها، مما يستدعي عودة ثانية لإصلاح كثير من العيوب؛ على الرغم من أن عدداً من الشركات التي استلمت المواقع لديها خبرات جيدة؛ إلا أن التعجل وعدم دقة المراقبة أديا إلى حدوث تلك العيوب.
ولو أن وزارة الإسكان أشركت المواطنين الراغبين في السكن في تولي مسؤولية بناء مساكنهم لخف الحمل عليها وتفرغت لتحقيق رغبات غير المستعجلين أو من لا يجدون حرجاً في الانتظار وفق الشروط والمواصفات الفنية العالية.
ولكن كيف يتم إشراك المواطنين في تحمل مسؤولية بناء مساكنهم؟ أرى أن ذلك يمكن أن يتحقق باتباع ما يلي:
- استعادت الدولة ملايين الكيلومترات من الأراضي في مناطق المملكة كافة، ورحلت وزارة البلديات ما لديها من أراض إلى وزارة الإسكان؛ ووفق التقديرات المعلنة لمساحة الأراضي المسترجعة من أفراد لا يملكون حق تملكها برؤى عدلية وشرعية تنفي حق تملكهم لها؛ لخلل في أمر المنح أو ضعف في حجة الاستحكام أو تزوير في الصك أو شبهة في الإجراءات النظامية، وواجب الوزارة أن تجتهد في تهيئة تلك المساحات الهائلة التي تعادل في حجمها دولاً، ثم تخططها تخطيطاً سليماً وتوفر البنية التحتية اللازمة؛ كالشوارع والميادين والحدائق والمستشفيات والمساجد والمدارس، وخدمات الكهرباء والماء والاتصالات والغاز، ونحو ذلك مما هو ضرورة لازمة لأي حي سكني نموذجي.
- لدى وزارة الإسكان رصيد مالي ضخم يبلغ في حده الأدنى 250 مليار ريال؛ كما صرح معالي وزير الإسكان، وتستطيع بملياراتها النائمة المرصودة من الدولة - وفقها الله - حل أزمة السكن بـ»الأرض والقرض الحسن».
- يتم منح المواطنين قطع أراض في كل منطقة أو مدينة من هذه الأحياء السكنية المخططة وفق احتياج كل مواطن وبالتناسب مع عدد أفراد الأسرة والدخل ومدة الانتظار.
- يتم منح كل مواطن قرضاً «حسناً» يصل إلى مليون ريال من صندوق التنمية العقاري لا يتحمل المواطن أية فوائد عليه، ويجدول على سنوات مناسبة كما كان معمولاً به من قبل.
- التراجع المطلق عن إحالة المواطنين الراغبين في السكن والذين انتظروا سنوات طويلة إلى البنوك التي كانت ستقرضهم 500 ألف ريال بفوائد عالية جداً وبتعسف في الشروط، ليصل المبلغ الكلي مع قرض الصندوق إلى مليون ريال.
ولا أعلم السر الذي يدفع وزارة الإسكان إلى إلجاء المواطنين إلى الاقتراض من البنوك بفوائد عالية ولدى الوزارة الملاءة المالية الكافية بالمليارات؟!
- إن في منح الراغب في السكن الأرض المهيأة بالخدمات اللازمة والقرض الحسن الكافي، ثم إعطاؤه الفرصة لتخطيط سكنه وفق احتياجاته ورغباته تحقيقاً لجانبين مهمين، أولاً: تزيح الوزارة عن كاهلها عبئاً ثقيلاً بتولي المواطن مسؤولية بناء سكنه وتكتفي بتهيئة المخططات السكنية وتوفير الخدمات اللازمة لها، وثانياً: تمكن المواطن من تصميم سكنه وفق ما يريد، ولا يفرض عليه تصميم قد لا يتفق مع احتياجاته ورغباته.
إن فكرة «أرض وقرض» ستزيح عن كاهل الوزارة نصف العبء، وستسرع من وتيرة الإنجاز وتشرك المواطن في المسؤولية وتشغله في تحقيق طموحه السكني وفق ما يتمنى.