د. خيرية السقاف
بعملية حسابية سريعة, وغير معقدة يجريها الفرد الذي تعود على السفر سنويا, وفي كل الإجازات, أو أطولها, لحصر حجم إنفاقه على الرحلة بدءا بثمن تذاكر السفر, والإقامة في الجهات التي يقصدها, وميزانية الصرف المخصصة, أو الطارئة للأكل, والمشتريات, والفسح, والتنقل, فإنه سوف يجد نفسه واحدا ممن يهدر ماله في غير أهله, وإن كان ما يهدره على أهله المقربين, لكن في حالة أن تكون ميزانيته هي جزء من ميزانية وطنه, فالأمر هنا يختلف تماما, ذلك لأنه إن عاد لقوائم إحصاءات ما ينفقه المسافرون في الصرف أثناء الإجازات, وما تحوله البنوك, من مستهلك الفرد من النقد المالي في رحلاتهم فإنه سيجده يعادل موازنات دول تنفق مثله, أوقريبا منه في مشاريعها البنائية والتأسيسية..
ولعل هذا الفرد حين يقارن دخله بمستوى, وحجم صرفه وإن تضاءل مقارنة بغيره, فلسوف يجد أنه قد ساهم في الهدر العام, وأنه لم يستثمر إنفاقه في وطنه بما يعود عليه بفائدة ترتجى..
ولأن الواقع قد فرض التغيير بانتقالة جادة نحو إشراك الفرد في المسؤولية , فإن االناس تشكو, وتتذمر, من معاناتها في مواجهة نفقات الخدمات, والضرائب المنتظرة..
أي نعم هناك الكثير منهم من لا تحتمل دخولهم أية زيادة بل هم في حاجة لدعمها, لذا وُجد «حساب المواطن» ليكون عونا, وسندا, ولضمان معادلة كفة الميزان, لا ضرر ولا إضرار, لكنه تصويب مسارات, وتوعية مدارك, وإعادة ترتيب أوراق مبعثرة..
أتخيل أن ما يحدث في المتغير الاقتصادي العام وإن لم تستوعبه الشرائح الأكثر من عامة الناس, إلا أنه توجُّه جادٌ لإعادة برمجة, وصياغة السلوك العام, والتفكير لدى الجميع نحو الأولويات في حياة الأفراد من جهة, ونزع رداء الاتكال, والدعة, والحث على العمل الجاد الفردي, وضبط النفس, وتوجيه الإرادة, وتقنين البُغية في تركيبة الفرد الفكرية, وتدريب قناعته, وتحديث مفهومه عن الحياة بشكل أكثر جدية, واعتمادية على المقدرات الخاصة والذاتية, وفيه حث على التنافسية الفاعلة بين الأفراد, وسوف تبلغ النتائج سقفا عاليا من الكفاءة في حال أن واكبت المؤسسات كلها أهداف هذا التغيير دون مداخلات من تقاعس وفساد بأي نوع يكون !!..
كما أرى في المشاريع المستجدة ما سوف يتيح فرص عمل مختلفة, ومتنوعة, وذات سُقُفٍ متباينة تتناسب وقدرات الأفراد بما فيها مدينة «القدية الترفيهية»!..
أوَليس يسافر الناس, ويهجُّون من بيتوهم, وبلادهم للترفيه, والترويح ؟!!
إذن لماذا إن أشْرع في إعداده, لتوفيره, وتمكينه في البلاد قامت قائمة من ينقد, ويتذمر, وقد حمي وطيس وسائل التواصل في سباق التحليل, والرفض, وتبرير الرفض؟!
إن حالهم كما يقول المثل الدارج: « لا أرحمك ولا أخليك, ولا أخلي رحمة ربي تجيك» !!
بيد أن المنظور في المشهد ينم عن أننا نمر بمنعطف جاد نحو نقلة نوعية مهمة في المسالك كلها, بمضامينها, وتفاصيلها, ومنتجها, نقلة يُتَوخى خيرها, ويُستشرف منجزُها.
وإن المراجل تُـقدح تحتها النار, ولسوف يبقى النافع, ويتبخر الفائض..
ولسوف تستتب عجلة النمو على مستقبل ناضج, ومؤتيات نافعة..
فالصبر, والعون, والاستيعاب, والعمل..
إنه الوقت فقط وسيُمَتَّـع الناسُ بحياة أكثر فرصا, وأنصع مقاصد, وأشد مسؤولية, وأوضح دورا لكل من ينبض فوق أديم أرضه هذا الوطن..
وسيلحق بشعاع نورها كل من بقي من الأجيال الفاصلة..