أظن أننا في هذه البلاد أضعنا فرصة عظيمة من أن يكون لدينا مائة مليون أو أكثر من السفراء والمحبين في الكثير من دول العالم. هؤلاء السفراء والمحبون هم أولئك الذين توافدوا على بلادنا من مختلف بقاع الأرض منذ بداية الطفرة الاقتصادية، وتحديداً مع بدء خططنا الخمسية، منذ ذلك الوقت استقدمنا ملايين الأشخاص ومن جنسيات عدة ومذاهب ومشارب مختلفة. وللأسف الشديد أن الكثير منهم يأتي ويذهب بعد العديد من تلك السنوات وقد تشكلت لديه صورة سلبية عن أهل هذه البلاد نتيجة تعامل البعض معهم والنظرة لهم.
الأمر ما زال مستمراً، لابد أن نكون منصفين مع أنفسنا وندرك أننا نحن الذين استقدمنا هؤلاء وفتحنا لهم أبوابنا، بل نتجاهل أن هؤلاء لو غادرونا فجأة لتوقف الكثير من أعمالنا ومشاريعنا وبرامجنا التنموية. هؤلاء جاءوا رغبة منهم ونتيجة حاجة لدينا، وقد أسهموا خلال الأربعين عاماً الماضية في بناء بلادنا وتطورها بدءاً من العامل الصغير (مهنياً) وحتى المهندس والطبيب وأستاذ الجامعة وكل أصحاب المهن المختلفة.
إذا كان لدينا توجه جاد للاعتماد على ابن الوطن وتقليل الاستفادة من هؤلاء الوافدين، والتوجه إلى أن تكون بيئة العمل غير مشجعة لهم على البقاء، فعلينا أن نحسن التعامل معهم، ونقدر لهم جهودهم وإسهاماتهم التي قدموها لبلادنا. هذا، وإن كان إحسان التعامل معهم يجب أن يكون جزءاً من علاقتنا معهم منذ قدومهم لهذه البلاد، وهذا منهج شرعي ومطلب إنساني لا أظن أن أحداً يستطيع المجادلة فيه. تخيلوا أن بعض جامعاتنا تلزم الأساتذة فيها من غير السعوديين عند طلب أحدهم إجازة يسافر خلالها خارج البلاد أن يحضر كفيلاً يوقع له على تعهد بأن يضمن حقوق الجامعة في حالة عدم عودة هذا الأستاذ. تصوروا موقف ذلك الأستاذ وهو يدور على زملائه «توقيع يا محسنين»، وأظن أن إحراج هذا الأستاذ الوافد يفوق في سلبياته ما قد تتحمله الجامعة في حالة عدم عودة أستاذ أو أستاذين لظروف قاهرة، مع العلم أن الجامعة لديها وسائلها التي تحفظ حقوقها بما فيها نهاية خدمة من يعمل لديها. هذا مثال بسيط للتعامل مع طبقة متعلمة، فما بالك العاملين في وظائف وأماكن خارج الجامعة.
أظن أن احترام الإخوة الوافدين لهذه البلاد، وتقديرهم والاعتراف بفضلهم مطلب يصب في مصلحتنا كما هو في مصلحتهم. ولو كان لي من الأمر شيء لأصدرت أمراً بطباعة ملصق نضعه على جواز كل من يغادر مطاراتنا أو منافذنا البرية أو البحرية نقول له «شكراً، فقد أسهمت في بناء وطننا»، من أجل بقاء ذكر طيب وسمعة حسنة لدى ذلك الوافد عن هذه البلاد وأهلها.
- د. محمد بن حمد الكثيري