د.ثريا العريض
منذ التسعينيات وأنا أكتب بانتظام. بدأت كاستجابة لتحدي فعل شيء جديد, واستمرت بمتعة مشاركة قرائي في مخزون معرفي إنساني، تراكم منذ ابتداء وعيي بالحضارة وتعقيدات بنائها واستدامتها، إلى جانب ملاحظة وتحليل ما يمر بي من أحداث حياتية.
لم تكن نشرة الأخبار تلعب دورًا كبيرًا فيما أكتب. ولكن منذ غزو العراق الكويت, ثم مفاجأة تفجيرات أبراج نيويورك, وأنا كل ليلة أحرص على ألا تفوتني نشرة الأخبار الرسمية. أصبحت جزءًا من روتين يومي, وجبة تحمل كل المذاقات. وهو جزء يتزايد فيه جانب المرارة منذ فاجأتنا عواصف الربيع العربي وتفجر دمويتها.
أظل أطالب نفسي بألا أكتب إلا عن شيء يحمل البهجة، أو على الأقل التفاؤل. وبلا شك هناك حاليًا تصاعد ملحوظ في أحداث مفرحة، تحمل لنا نفحات من الابتهاج. هناك مهرجانات ثقافية وفنية بحركة متسارعة وانتشار جغرافي واضح، ترسم ابتسامات على وجوه المشاركين والزائرين من الجنسين في كل مناطق الوطن. وهناك أخبار احتفاءات بتميُّز شباب وشابات، يرفعون رؤوسنا بمنجزات علمية وابتكارات تقنية في الداخل والخارج. وهناك تفاصيل إيجابية عما تحققه الجهات الرسمية من خطوات ناجحة ضمن مشاريع ومبادرات برنامج التحول. وهناك إحصائيات توضح نجاحات القيادة في السيطرة على الأوضاع الأمنية في المدن وعلى الحدود, والتصدي لمخططات الإرهاب ومحاربة الفساد في مؤسسات الاقتصاد والخدمات.
هناك -بلا شك- تغيُّر واضح في أجوائنا الداخلية، تتبرعم بملاحظته بذور الأمل، وتنفرج الأسارير.
نعم، هناك الكثير يحدونا إلى شكر الله على نعمه, والقيادة على جديتها, والمواطن على التفهم والمشاركة في حماية شتى المكتسبات واستدامة الطمأنينة.
ولكن استدامة الشعور بالبهجة تصعب مع ما يصل من أخبار أشقاء الجوار.. فلا نكاد نفرح بتطور إيجابي في الساحة المضطربة في الجوار القريب والبعيد إلا ويفاجئنا حدث سلبي، يعيدنا إلى عواصف الغضب والحزن تعاطفًا مع الأبرياء الذين يحاصرهم الشر والموت واليأس.
ما حملته لنا صور وتسجيلات وكالات الأنباء لما حدث في «خان شيخون» في سوريا فاجع بكل معاني الكلمة.. والأفظع من حدوثه أنه قد حدث من قبل، ورأى العالم كله نتائجه المريعة. استخدام غاز الأعصاب «السارين» محرم في الاتفاقات الدولية والعرف الإنساني.. ولكن تم استخدامه في سوريا, وقبل ذلك في العراق في حلبجة. والكل يتبرأ من تهمة استخدامه.
من أين يأتي كل هذا الشر في العالم؟
قد يستطيع البعض أحيانًا أن يغلق عينيه وأذنيه عن مآسي وعذابات الآخرين, ويركز على تأمل التطورات الإيجابية في الداخل.. ولكن سموم الواقع تنفذ عبر الجدران النفاذة لفقاعة التفاؤل.
مستحيل أن لا تتأثر أعصابنا بـ«سارين» الأخبار, ومعاناة الأشقاء في الجوار. اللهم ارفع عنهم، وخلصهم من نير الأشرار.