محمد سليمان العنقري
رأي صادم الذي صدر عن لجنة الحج والإسكان بمجلس الشورى حول تقرير وزارة الإسكان؛ حيث ذكرت اللجنة أن «الوزارة حصلت على التسهيلات والموارد المختلفة من سيولة مالية ووظائف وأراض، وذلك للقيام بأعمالها خلال السنوات الخمس الماضية، إلا أنها لم تنجز المطلوب فيما يتعلق بتوفير الأعداد المطلوبة من المساكن، ولم تسهم في رفع مستوى الجودة الإسكانية ولا في تحسين مستوى الاستطاعة للمواطن في الحصول على المسكن».
فهل غابت الحلول العملية التي تحقق الهدف الأساسي الذي أسست لأجله الوزارة؟ وهل هناك أسباب خارجة عن إرادتها مما أضعف جودة مخرجاتها من أنظمة ومشروعات ومنتجات وحلول؟ فالواقع هو ما أكدته اللجنة بأن الدولة وبتوجيهات سامية وفّرت كل أسباب النجاح لمهام الوزارة من صلاحيات واسعة على قطاع الإسكان والعقار عموماً إلى دعم الحلول التمويلية كافة وأيضاً التنظيمية المساندة لزيادة المعروض من المنتجات السكنية ومن بينها «نظام رسوم الأراضي البيضاء» فلا يوجد مبررات مقنعة واقعياً لاستمرار انخفاض نسب تملك السكن إلى الآن وبلوغها نسبة 47 في المائة حسب ما جاء بمبادرات الوزارة التي تنوي رفعها إلى 52 في المائة، وهي نسبة لا ترقى إلى الطموحات والتوقعات ولا تعدو بمجمل ما ستضيفه أكثر من 300 ألف منتج سكني وهو ما يعادل 20 في المائة مقارنة بطالبي السكن الذين يصلون إلى حوالي 1.4 مليون مواطن وأسرة، لكن لجنة مجلس الشورى المعنية بالإسكان لم تقدم حلولاً أو تسأل عن أسباب ما تراه تقصيراً بأهم هدف للوزارة وهو تملك السكن وما يقصد بهذا المقام هو السبب بعدم «زيادة العرض» من المنتجات السكنية من أراض بأسعار مناسبة أو شقق ووحدات مستقلة؛ سواء ببناء مباشر من الوزارة أو من خلال الشراكات مع القطاع الخاص ولماذا لم يتحرك المطورون للاستفادة من كل الأنظمة التي أقرت لدعم نشاط الإسكان بل تظهر أرقاماً محدودة جداً من عدد المطورين أو الوحدات التي تم الاعتماد لها ببرامج وزارة الإسكان مثل إتمام وغيره من البرامج رغم ضخامة الطلب.
ما يحدث على أرض الواقع أن الاتجاه كان لتسهيل التمويل العقاري للمواطنين وحتى الآلية التي تغير بها عمل الصندوق العقاري التي لاقت ردة فعل سلبية من الكثيرين ممن صدرت الموافقة لهم أيضاً؛ حيث إنها تقلص من حجم الاستفادة من قرض الصندوق الحسن بالتعديلات التي تحوّل به طالبي القرض للبنوك التجارية ووضعت معايير لن تنطبق على الكثيرين لكي يستفيدوا من مبلغ الدعم وعدم تحمل تكاليف التمويل وتصب بصالح شراء وحدات من السوق بالوقت الذي لا يوجد به منتجات رخيصة بل إن الوزارة سبق أن ذكرت أن ما هو موجود من وحدات سكنية بالسوق بناها القطاع الخاص لا تناسب أكثر من 25 في المائة من طالبي السكن نظراً لارتفاع أسعارها فلماذا لم نرَ الحراك المطلوب لزيادة العرض بمنتجات سكنية تناسب الشرائح كافة؟ فالسبب يبدو أنه يتمثل بعراقيل تنظيمية عديدة لا تشجع على تنشيط السوق وحتى من سيقول إن الوقت ما زال مبكراً لزيادة المشروعات المرخصة فإن مرور ستة أعوام على تأسيس الوزارة كفيلة بدحض مثل هذا الاحتمال فقد تشبع السوق من التنظير وإصدار الأنظمة والوعود دون حراك واقعي عملي يظهر الأثر بزيادة العرض من المنتجات السكنية.
فحتى نظام رسوم الأراضي لم يرقَ بطريقة حساب الرسوم إلى المستوى الذي يساعد على تحفيز التطوير فقد وضعت له شروط ومعايير معقدة لم تعطِ المستوى العادل للتقييم بحيث غابت بعض المعايير المرتبطة بطرق التقييم المتعارف عليها وأبقى التركيز على الخدمات لكن من شأن ذلك أن يوجد أكثر من سعر بالسوق وسيميل الجميع لتقييم وزارة الإسكان لأنه بات هو المؤشر الإرشادي للأسعار فهل انخفاض حجم الرسوم لمستوى أقل مما تستحق الأرض بمعيار القيمة العادلة المرتبط بالاستثمار وعوائده سيشجع على التطوير أم الاحتفاظ لمدد زمنية أطول، فيما سيتراجع حجم المعروض المطلوب قياساً بنمو الطلب دون أن يكون هناك تحفيز حقيقي وفعال لزيادة نشاط التطوير!!
لكن هل تلام الوزارة فقط على ضعف الحلول بزيادة المعروض من الوحدات السكنية أم أن مبادرات بقية الوزارات والجهات الاقتصادية والخدمية أثرت سلباً على تحركات وإجراءات الوزارة لتوفير خدمات لأراضيها التي تنوي توزيعها على المستحقين للدعم السكني؟ وهل هيكلة البدلات التي تمت قبل أكثر من عام كان لها تأثير بتغير جذري بقدرة طالبي السكن بحيث لم يعد ممكناً تقديم قروض لهم مناسبة لتملك وحدات جاهزة بالسوق حالياً أو حتى إذا أرادوا البناء بأنفسهم إلا بتكاليف منخفضة وقروض أقل بكثير مما كان متوقعاً لتنشيط السوق؟ وهل أثر ذلك أيضاً على مشروعات برامج الادخار السكني وأضعف أهميتها كأحد الحلول الإستراتيجية لمعالجة ملف السكن بالأمد طويل الأجل؟ وهل هناك إجراءات ما زالت تؤخر ترخيص واعتماد المخططات والمشروعات لدى وزارات أخرى؟ فالإسكان لا يخص وزارة أو جهة واحدة بل منظومة عمل حكومي متكامل فهو قطاع اقتصادي رئيسي توفر له الدول عادة كل أسباب النجاح عبر مجموعة حلول من جهات عديدة توفر سوقاً ناضجة لصناعة عقارية متكاملة؟ أم أن الوزارة ما زالت مقصرة بالتنسيق مع الجهات كافة ذات العلاقة لتطلب منها تقديم الحلول وإقرار الإجراءات التي تكمل حلقات الأنظمة التكاملية لسوق الإسكان وقطاع التطوير العقاري؟
لجنة الحج والإسكان كأنها أرادت أن تقول برأيها حول تقرير وزارة الإسكان ما يمكن اختصاره بجملة شهيرة
«العملية نجحت ولكن المريض مات» أي أنكم قمتم بكل الأعمال التنظيمية وتوفر لكم كل سبل الدعم للنجاح ووظفتم أعدادا تحتاجون إليها لإنجاز مهمتكم لكن كل ذلك لم يصل إلى النتيجة والهدف الرئيسي توفير المسكن الميسر للمواطن بعد كل هذه السنوات وما حصلتم عليه من اعتمادات مالية بمليارات الريالات وكذلك أراض بعشرات الملايين من الأمتار وتسهيلات وصلاحيات لم يسبق لها مثيل بتاريخ قطاع الإسكان بالمملكة إلا أن النتيجة رغم ذلك تراجع الطموحات بنسب التملك المستهدفة خلال الأعوام الأربعة المقبلة لأقل بكثير عن التوقعات السابقة وتركز كبير على التمويل لا يتماشى ولا يتوازن معه زيادة العرض من الوحدات السكنية بأسعار مناسبة.. فهل سيكتفي مجلس الشورى بما رشح عنه من رأي لجنته المختصة بالإسكان أم سيطلب تحركاً مختلفاً لمعالجة ما يواجه ملف تملك السكن من عوائق وإجراءات؟