رمضان جريدي العنزي
المتفشخرون يشعرون بالنقص والضعف والكبت والدونية، لهذا نراهم يتفشخرون بسعار عال، ولغة كاذبة، ومباهاة غير صادقة، ويهذون كما يهذي الممسوس، يحسبون أنفسهم شكسبيريين في الكتابة، ورونالديين في كرة القدم، ومتنبيين في الشعر، وتشارلي تشابليون في الكوميديا، وأغاثا كريستيون في تأليف الرواية، وبيل غيستيون في الاقتصاد، وسمث ماثيونون في النقد الأدبي، وسلفاداريون في عالم الرسم، وأقطاب ومحاور وركائز وأعمدة وعظماء ومهمين وعمالقة، يمتلكهم هاجس التصرفات غير المنطقية، وغير المعقولة، ولا المقبولة، يعيشون أدوارا غير أدوارهم، وحالا غير حالهم، وواقعا غير واقعهم، لهم نفخة وكشخة ونزعة وادعاءات باطلة، ومحاولات مستميتة للظهور بمظاهر غير حقيقية، فشخرتهم ليس لها طعم ولا لون ولا رائحة، خفيفون مثل بالون معبأ بالهواء، رخويون مثل رمل، قابلون للانكسار مثل زجاجة رقيقة، وللطي قماش بالٍ، وللذوبان مثل مكعب ثلج، أو حبة ملح، أو قطعة سكر، عندهم قلة وعي، وغياب حكمة، وليس عندهم حقيقة ولا ثبات أو ركاز، كثيرو اللفظ والسرد واللغو واللغط والتباهي، يحسبون أنفسهم سمفونية باذخة باللحن، أو لوحة لونية رهيفة تناجي وهج الروح، يحلمون بذوات راقية وفق نرجسية عالية، يعتقدون بأنهم منسوجون من شهقات خيال، وموغلون في مذاقات الحياة، يتصورون بأنهم متلألئون كالضوء، يتوقعون بأنهم الأحلى والأجمل والأحسن والأوسم والأنقى، يسابقون الوقت بعجل من أجل ترقية ذواتهم الغارقة بالعتمة والقصور، يحاولون البروز والترزز والاعتكاف في كل مناسبة ومحفل، يحاولون رسم الرماد بطريقة مغايرة تعكس رمادية أقوالهم وأفعالهم، يحاولون أن يكونوا هادئين، وحكيمين، ومتزنين، رهيفين، وناصعين، كأنهم مجبولون من لون منبعث من حبور النسيم، يحبون التباهي مع هواء الصباح، وهدهدات فيروز، وازرقاق سمو السماء، ورهافة المطر، وتجلي الغمام، ونعومة الحرير، وحنين العشاق إلى اخضرار المروج، وبسمات النجوم في عتمة الليل، يلتقطون صورا من هواجسهم الهاربة من ظلال غابات أرواحهم المصبوغة بالنقص، يحاولون أن ينسجوا من لغة القول والحركة والعطر والسبحة والهندام، لغة لونيّة شاعريّة محبوكة بتوهّجات القلق الذي عندهم، يحاولون أن يكوّنوا ألقاً وهدوءاً وشغفاً ومسارا، يحاولون أن يرسموا أحلاماً تاهت في منعرجاتِ حياتهم، بحثاً عن أبهة لشخصية أسفنجية مبللة، يحاولون أن يكونوا شكلاً مغايراً، وكينونة وبوصلة، وعنانا ودليلا، وغناء وحداء وبعداً وفكرة، وميكانيزما وتوجها، وأن يظفروا بزوايا خاصة لهم بالحياة، وأن يصوروا أنفسهم ذوي قدر ومعنى وقيمة وحضور، وما دروا بأنهم مجرد خشب مبتل بماء، واغتراب في ثنايا الجفاء، وزيف مكانه، وتمثيل حال، وترقيع واقع، وفاصلة صغيرة داخل رواية طويلة، ورمزا لا يدخل ضمن معادلة، وواقعاً لا يعيد البناء، وسراب في قيعة، ومرارة، وانكسار، وحركة ليس لها دهشة، وسرد ممل، فلا هم أقطاب، ولا هم شكل، ولا هم سوار فاخر، ولا منارات هدى، ولا دوائر استقطاب، ولا هم مضمون، ولا مظهر ولا جوهر، وتنطبق عليهم الحكمة الصينة القائلة: إذا وضعت سرجا مطرزا بالذهب والياقوت على حمار، فإن ذلك لن يجعله أبدا حصانا!.