ياسر حجازي
(1)
فكرة الدولة الإسرائيليّة ليست فكرة دينيّة على الرغم من مسمّاها الديني، إنّما هي غاية ضمن غايات لمشروع الحركة الصهيونيّة التي تزامنت في نشأتها مع تضخّم القوميّات الأوروبيّة، وشعور هؤلاء المستعمرين/المحتلّين «المؤسّسين للمشروع» بعدم انتمائهم الوطني لقوميّاتهم الأوروبيّة تغليباً لمفهوم الدين كرابطة للأمّة، والحاجة إلى إحلال بديل وطني قائم على عقيدة دينيّة تستغلّ الأوضاع التي يمرّ بها أتباع الديانة اليهوديّة، والتي تُسبّب لهم حالة «اللا-يقين الانتمائي» اللا-انتماء الوطني الأوروبي، أو في أيّ دولة أخرى، وهو ما استغلّته هذه الحركة فيما يمكن تسميته: «حركات اليهوديّة السياسيّة/المسلّحة»، لكنّ المشروع برمّته لا يمكن اعتباره جزءاً أصيلاً أو تأويلاً متداولاً للديانة اليهوديّة وأتباعها، على معنى الإيمان اليهودي الخالص من تأويلات وأساطير الحركة الصهونيّة «الدينيّة-السياسيّة»، فلا إجماعٌ دينيّ بين الطوائف اليهوديّة على «شرعيّة دينيّة» لدولة إسرائيل من منظور ديني-يهودي، أو شرعيّة «فكرة» وجود دولة خاصّة باليهود، بل أنّ بعض الطوائف والحاخامات يربطون ذلك بعقابٍ إلهي، أنه «كتبَ عليهم الشتات في التوراة»، «وأنّ مشروع عدم وجود دولة لليهود/الأتباع هو الوصيّةٌ الدينيّة وليس مشروع الدولة»، وذلك يتّضح بمراجعة الحركات اليهوديّة الدينيّة الرافضة لدولة إسرائيل، كحركات: (ناطوري كارتا، صوت يهودي للسلام، الطائفة الحريديّة..)، إضافة إلى حركات إسرائيليّة داخلية تعمل لأجل التقارب العربي الإسرائيلي، بل منهم من يعمل على إحياء ذكرى القرى العربيّة التي أبيدت على أيدي المنظمات الصهيونيّة التي عملت بعنف ودمويّة في تأسيس الدولة على أعقاب إبادات جماعيّة ومحو ديموغرافي لقرى فلسطينية.
وإذا افترضنا أنّ المؤسّسين/المُحتلّين/المستعمرين الأوائل، قيادات وأتباع ومُهجّرين، كانوا جميعاً على الاعتقاد عينه في مشروعيّة المشروع الصهيونيّ، فإنّنا في المقابل، نجدُ أتباعاً يهوداً في أنحاء العالم لم تُهاجر؛ فلماذا بقيت تلك الجماعات في دول الشتات بمنأى عن الهجرة؟ حتّى أولئك الذين يدعمون المشروع سياسيّاً وماليّاً؟ ألا يكون على أقلّ تقدير أنّهم -بالحدّ الأدنى- لا يؤمنون أو لا يعتبرون الهجرة وصيّة ودعوة دينيّة، وبالتالي، نقض المشروع الصهيونيّ الذي يستغلّ الدين لإقامة دولته.
(2)
نعلمُ اليوم، بالواقع والوقائع، والشهادات والتأييدات والمواقف، والتعايش والاحتكاك والمناصرة، أنّ كثيراً من سكّان إسرائيل ليس على المعنى الصهيوني الذي أسّس الدولة وما زال يسعى لديننتها، وفقاً لأهداف عنصريّة وإقصائيّة، وهناك العديد من الحركات الداخليّة التي تؤيّد معارضة المشروع الصهيوني: (حركة ترابط، جمعيّة زوخروت، وغيرها..)، وهم مواطنون على المعنى المدني وليس على المعنى الصهيوني، وهم يطمحون: أنّ تتحوّل إسرائيل من علمانيّة مزعومة إلى علمانيّة غربيّة قائمة على التعدّد ورافضة للتمثيل القومي والديني؛ ولذلك، فإنّ جزءاً لازماً في إدارة تفاوضنا يجب أن لا يتجاهل هذه الحقائق والحركات المعارضة كأوراق ضغط على الساحتين الداخلية والدوليّة؛ وسبق للتيار المعارض لإسرائيل من جمع منظمات عالميّة كثيرة، ومن ضمنها منظمات إسرائيليّة، لإدانة المشروع الصهيوني وعنصريّته في مؤتمر دربان/2001 للتضامن مع الشعب الفلسطيني وعزل الدولة الإسرائيليّة، وجعلها في مواجهة بينها وبين نفسها لنقد المشروع الصهيوني داخلياً؛ فمثلما هناك صهيونيٌّ يسعى لديننة إسرائيل على أساس قومي/ديني صهيوني، هناك أيضاً يهوديٌّ يرفض الدولة داخلياً ويعيشُ بها على أنّها «أرض شتات» ولا يعنيه المشروع الصهيوني إن لم يكن يقف ضدّه، وهناك اليهوديّ العلمانيّ الديمقراطي، وهناك اليهودي اليساري، وهناك وهناك، وكلّ هذا التنوّع يقف حاجزاً بوجه المشروع الصهيوني الذي لم يكتمل على الرغم من قوّته الأرضيّة المسلّحة منذ ستين سنة.
(3)
في واقع هذه المعارضات التي يواجهها المشروع الصهيوني، وتعدّد وتنامي الحركات المعارضة الداخليّة والخارجيّة، ألا يجب التساؤل: أين يقف الساسة العرب والأكاديميون والمثقّفون منها؟ وأيّ حاجز أو جدار موهوم يعيق التواصل والتقارب مع حركات ومنظّمات، إن لم تتوافق مع المشروع العربي، فإنّها على أقلّ تقدير لا تتعارض مع حقوقه المشروعة دوليّاً، والتي أقرّتها الدول العربيّة في «مبادرة بيروت»، أو التحضير ثقافياً وإعلاميّاً لمشروع حلّ الدولة الواحدة ذات القوميّتين أو العلمانيّة الديمقراطية؛ أين نحن ثقافيّاً واجتماعيّاً من هذه الحركات المعارضة لإسرائيل؟