كان لدى الأجهزة الحكومية تقييم تقليدي له تأثير محدود على مميزات الموظف، تطبيق النظام الجديد لارتباطه بجميع المميزات الوظيفية سيجر الكثير من التلاعبات لاصطدامه بعدد من الثوابت الثقافية للحياة الوظيفية العامة، فيما يتعلّق بتقييم أداء الموظفين في الشركات لأن هدفها الربح وفي حال المحسوبية بظلم من يستحق وترفيع من لا يستحق سينعكس على انخفاض الربحية مما سيؤثّر مباشرة على حيوية المنشأة وقد يؤول مخاطر الفساد بها إلى الإفلاس، بينما الأجهزة الحكومية فكما قال كهل عمل لسنوات طويلة في قطاعات حيوية عدة «العمل الحكومي بيك بغيرك ماشي ماشي».
يوجد معيار واحد فقط محدد وملموس بين جميع المعايير ويصعب التلاعب به وهو ساعات العمل لارتباطه بالبصمة أو كرت الحضور، المشكلة أن كثيراً من المدراء سيغلبون هذا المعيار على غيره لقلة الوعي ولتخلص من تبعات المساءلة من جانب ولكونه يحقق الركون لثقافة السائدة أن انضباطية العمل أهم ركيزة، بل قد تكون هي الركيزة الأوحد في الوظيفة الحكومية.
إحدى الأمانات أعلنت مؤخراً تطبيق معايير التقييم الوظيفي بالتركيز على التواجد الدائم على رأس العمل وتقنين خروج ودخول الموظفين بالتبصيم خمس مرات! الكثير لا يستوعب تقييم الأداء ماهيته ولماذا وجد أصلاً! أعجبني رد المتابعة @Kholod alshareef على موقع تويتر «إيش دخل التبصيم 5 مرات بمبدأ العدالة! مو أنا أقدر أحضر وأبصم كل شوية وأنا طاقة حنك وما بشتغل؟» عبّرت هذه السيدة عن خلاصة الثقافة وجودة العمل في الأجهزة الحكومية. تتصاعد المشكلة أكثر وأكثر في حال سحب الدرجة الممنوحة لهذا المعيار على جميع المعايير الأخرى (المسنتر على مكتبه طوال ساعات العمل وإنتاجيته ضعيفة سيحصل على تقييم فاق التوقعات).
مشكلة أخرى - العنصر الثاني الموظف أو الوحدة التنظيمية - تكمن في المحسوبية ومنح تقييمات متفاوتة تعطي انطباعاً بجدية المنح وتخفي مجاملة أو الانتقام. تقييمات الأداء تفرض نسب موزعة فتحتل التقديرات المرضية أي متوسط الدرجة المساحة الأوسع من مجمل موظفي الإدارة وتقل لتصبح 20 % من فاق التوقعات و10 % لمن لم يحقق، فتفرز مشكلة ثالثة وهي دور الشللية بالاتفاق البيني بأن من حصل على تقييم مرضي الآن يقبل على أن يمنح تقييماً فاق التوقعات في العام القادم مراعاة لنسب، وهكذا يتم تبادل الأدوار بين الفريق دون أن يتقدم أحدهم بتظلّم ويتعطّل هدف التقييم، أو بعقد اتفاق ساكت؛ ستحصل على تقييم مرض كل عام ولن تكلّف بأي عمل فدورك سد خانة ومنح المقرّبين فرصة التسلّق، من أقوال الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله- «لا شيء يقتل الكفاءة الإدارية مثل تحول أصحاب الشلة إلى زملاء عمل».
لإيجاد الحلول، إجرائياً تقييم الأداء في الشركات يعتمد على سلسلة من العمليات بدءاً من استعراض الموظف إنجازاته خلال العام، ثم يقيمه مديره على استعراضه بعد مناقشته ويكون له حق الرد عليه، تليها سلسلة من الاجتماعات بين الإدارات المختلفة للنقاش البيني حول أسباب تفاوت الاستحقاق بين موظف وآخر، لتوزع الميزانية بين الوحدات التنظيمية والتقييمات تعطي لإدارة حق المطالبة بأكثر من أخرى، مما يجعل الجميع في حال قلق فيكون تقييمهم أقرب إلى الموضوعية منه إلى الشخصية، يليه اجتماع مماثل بين مدراء العموم صعوداً حتى قمة الهرم، تكون المراجعة متداخلة مع التقييم، وهذا غير معمول به ولا أتوقّع العمل به في الأجهزة الحكومية لأن هذا التعني وجد لهدف تحقيق الربح وتقليص النفقات بينما الدخل مضمون في العمل الحكومي. ولو تم سيكون شكلياً فالثقافة هنا تفرض نوعاً من المسايسة بين أفراد الطبقة الإدارية!
والمقترح لملء الفراغ بسبب انعدام الربحية والتنافسية في وضع برنامج مراجعة منفصل على مستويين، مستوى داخل البرنامج نفسه ولكنه لاحق عليه أي بعد الانتهاء من عملية التقييم، لأن خلو برامج التقييم من إجراءات محددة وواضحة للمراجعة ومحاسبة معدي التقييم إذا ما أخلوا أو تجاوزا يجعل البرنامج مبتوراً وغير صالح، ولو وجدت الإجراءات إلا أنها ناقصة أو معيبة يجعل الأمر أشد سوءاً، لأن إجراءات التحقيق الإداري وهي معيبة في أغلب أحوالها يجعل الجميع يركن إلى اكتمال منظومة التقييم والأمر خلاف ذلك وأصبح مخادعة يصعب تجاوزها. فيأتي دور المستوى الثاني المراجعة الخارجية - خارج نظام التقييم - ويكون إما بتخصيص فريق عمل من المراجعة الداخلية في الجهاز أو الاستعانة بجهاز خارجي مستقل لمراجعة تقييمات جميع الأجهزة الحكومية.
وأخذاً بعين الاعتبار أن أحد روافد التغذية للمراجعة هي التظلّمات، ففي الحياة العملية تعد الشخصية الشاكية شخصية غير مرغوب بها، إلا أن المظالم تعد أداة جيدة لمراجعة الخلل الإداري لاستئصال الفساد متى ما حلّ، فتكشف الأسرار الخفية. وهذا ما ترتعد منه قيادات الأجهزة الحكومية، يزيد تعقيد الأمور أكثر حينما نصل إلى الطبقية الإدارية، الطبقات القيادية والإدارية والإشرافية تظهر - بالأحرى يراد لها أن تظهر - أنها طبقة منتخبة بعدالة وموضوعية من قاعدة العاملين في الجهاز أو خارجه! وهنا يطرأ استنتاج مفاده أن أي فرد من أفراد هذه الطبقة لو انحدر مستواه التقييمي عن المستوى الفائق لأصبح شغوره للمقعد محل استفهام، ورغم أن الواجب ارتباط شغور المناصب بمفهوم التقييم نفسه ومدى اعتباره أداة محورية يتأثر بتأثرها أم غرضية فلا يكون حينها محل إشكال، فإن جميع هؤلاء المدراء لأجل ذلك ولذر الرماد في الأعين المتفحصة يُمنح تقييمات مرتفعة، ولذا فأسهل طريق لمنع القيل والقال يكمن في وصفة إدارية مركبها كما انتخبناهم ثبتوهم وأكرموهم فإن عارضونا اخسفوهم ودحدروهم.
أخيراً نجد غياباً لدور استبانات مدى رضا المستفيدين من الخدمة الحكومية Satisfaction، الإجراء مطبّق بشكل محدود للإدارات التي لها اتصال بخدمة عملاء ومقابلة الجمهور، ما أقصده الرضا عن القطاع ككل بأدق تفاصيل الخدمة المقدَّمة من خلال برنامج شامل، من يدفع رسماً لخدمة ما يستحق أن يمنح حق التغذية المرتجعة ليعبّر عن رضاه وتحقيق الهدف وليس مجرد ثمن لسند (ترخيص أو خلافه) ليباشر العمل، ولأن هذا البرنامج في حكم المنعدم فستظل عملية التقييم مبتورة لخلوها من الوصول إلى حكم عادل حول - العنصر الثالث - أهداف المنظمة.
dahlawil@gmail.com