د. ناهد باشطح
فاصلة:
(( يبقى لدى كل شخص قوة كافية للقيام بما هو مقتنع به))
-حكمة ألمانية-
للثقافة السائدة تأثير قوي على سلوك الأفراد، وعلى أدوارهم الاجتماعية أيضا، على سبيل المثال كشفت نتائج دراسة "ميرجريت ميد" عام 1935حول سلوك ثلاثة مجتمعات بدائية في غينيا (الارابش، المندجمور، الشامبولي) أن الثقافة السائدة في هذه المجتمعات تحدد الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها كل من الرجل والمرأة فيها، فحين يتصف سلوك مجتمع الارابش بالأنثوية من حيث علاقات الجنسين تسود العوانية كسلوك سائد في مجتمع المندجمور أما مجتمع الشامبولي فقد كانت الأدوار بين الرجل والمرأة فيه متبادلة حيث يقوم الرجل بدور المرأة واتصف سلوكهم بالاتكالية والاهتمام.
إن تأثير الثقافة السائدة لا ينعكس على الأدوار الاجتماعية للجنسين فقط، بل إن هناك علاقة وثيقة بين الثقافة والسلوك أكد عليها "ابن نبي" إذ يرى أن "السلوك الاجتماعي للفرد خاضع لأشياء أعم من المعرفة وأوثق صلة بالشخصية منها بجمع المعلومات وهذه هي الثقافة"
لذلك فإن على أي مجتمع أن يهتم بتطوير ثقافته حتى يتطور سلوك أفراده وليس العكس.
إذن فالسؤال كيف تتطور الثقافة التي هي كما عرفها "المؤتمر الدولي الثاني للسياسات الثقافية" الذي عقد في استوكهولم عام 1998 بأنها "بمعناها الواسع، قد تكون اليوم عبارة عن جماع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعا بعينه أو فئة اجتماعية بعينها. وهي تشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات..."
حتى نضمن بداية سليمة لاستراتيجية واضحة لتغيير الثقافة، لابد من تفكيك الثقافة السائدة بما تحمله من قيم عن العمل والوقت والحقوق والنظام وقيم كثيرة أخرى تنعكس على أسلوب الحياة، ولدينا من القيم الإسلامية ما يمكنه إكساب السلوك الصفة الإنسانية، إلا أن تأثير القيم الاستهلاكية أو عدم التكامل بين القيم والسلوك أو الجهل بالعلاقة الموجودة بين الإيمان (الاعتقاد) والفعل وهو ما يدفع الأفراد إلى تغيير قيمهم وبالتالي سلوكهم وهذا ما يحدث غالبا في المجتمعات التي تخضع لتغيير سريع وهذا ما يجعلنا نتأمل كيف يلقي المثقف العربي محاضرة في الأخلاق لكن سلوكه لا يترجمها!!.