محمد خالد الخنيفر
«الحمد الله الذي يسر قدوم هذا الإصدار الذي انتظرته صناعة المالية الإسلامية لعقود طويلة. ننتظر خلال الأيام القليلة المقبلة أن تصدر بلاد الحرمين أول صكوك سيادية لها. وهذا تطور جوهري ستتذكره أسواق الدين الإسلامية لعقود قادمة».
أكتب لكم هذه الزاوية قبل ساعات من اجتماع فريق الدين السعودي بمستثمري أدوات الدخل الثابت في أبوظبي. وفي الوقت الذي نسأل الله لهم التوفيق في هذه المهمة الوطنية، يدور تساؤل في أذهان الجميع عن الأسئلة التي من المنتظر أن يطرحها المستثمرون على من يمثلون بلادنا الغالية، وهي على وشك الدخول لأسواق الدين الإسلامية لأول مره في تاريخ مملكتنا. وأنا متأكد أن البنوك الاستثمارية المرتبة للإصدار قد أعدت قائمة تتعدى المئة سؤال وذلك من أجل تحضير الوفد السعودي للإجابة عليها بعد أن يفرغوا من العرض التقديمي لصكوكهم الدولارية.
لعل أهم ما أتوقع أن يسأله المستثمرون يدور حول مايلي:
• سيتم الطلب من الوفد السعودي بالتكهن بأسعار النفط وما ستؤول اليه في قادم الأيام. والفريق السعودي قادر على التعامل مع تلك الأسئلة باقتدار. الأهم هو تحاشي ذكر رقم معين لأسعار النفط. ذلك التصرف بظني سيجلب امتعاض بعض الإعلام الغربي كما فعلت بلومبرج السنة الماضية عندما عنونة أحد تقاريرها بـ «أعطونا أموالكم ولا تسألونا عن أسعار النفط»!. في إشارة منها الى الوفد السعودي الذي تحاشى الإجابة بشكل مباشر على تلك الأسئلة.
• سيتم طرح أسئلة بخصوص الإصلاحات الاقتصادية الهادفة لتقليل عجز الموازنة. الوفد السعودي سيركز على حقيقة أن عجز موازنة السنة الماضية وصل الى مايقارب 55 مليار دولار مقارنة بـ98 مليار دولار في 2015. لذلك سيطالب المستثمرون بأن يقوم الوفد السعودي بإظهار أدلة تظهر مدى التقدم الذي تم احرازه تجاه رؤية 2030.
• سيتم طرح أسئلة حول احتمالية تخفيض التصنيف الائتماني للمملكة عما هو عليه الآن وسيقومون بالاستشهاد بما قامت به وكالة فيتش عندما أنزلت تصنيف المملكة درجة واحدة. حيث وصل التصنيف الى ( A+) وليصبح مساويا في الدرجة مع التصنيف الحالي لموديز. وبعد ذلك سيحاول المستثمرون جر الوفد السعودي للتكهن بالتسعير المتوقع لصكوكهم.
من وجهة نظري، الأفضل عدم الانجراف نحو تكهنات التسعير المتوقع والرد على من يذكرون تصنيف فيتش بأن المستثمرون لم يفزعوا من تلك الخطوة التي كانت متوقعة منذ فترة طويلة.
• سيوجه المستثمرون أسئلة حول انخفاض احتياطات النقد الأجنبية بالرغم من تحسن أسعار النفط مقارنة مع السنة الماضية. سيسألون الفاضل أيمن السياري (الرئيس المكلف لمكتب الدين ونائب المحافظ بالبنك المركزي السعودي) أن يبين لهم كيف بلغ معدل السحب من النقد الأجنبي 6.5 مليار دولار السنة الماضية مقارنة مع سحوبات يناير الماضي (11.8 مليار دولار ) وفبراير (9.8 مليار دولار)2017. سيطلبون منه أن يبرر كيف انخفض هذا الاحتياطي الى ما يقارب 500 مليار دولار بعد أن بلغ قمته ( 737 مليار دولار) في 2014.
• سيطرحون تساؤلات عن حجم احتياطي النقد الأجنبي المفترض أن تحتفظ به المملكة من أجل الدفاع عن عملتها من قبل المضاربين الذين قد يراهنون على تخفيض قيمة الريال.
• سيستفسرون عن كيفية تحفيز نمو الاقتصاد وكيف أن المملكة لم تعد تصدر سندات محلية من أجل تجنب خلق أزمة احتقان السيولة بالقطاع المصرفي وكذلك تجنب مزاحمة القطاع الخاص بالإقراض.
لمحات سريعة
• لعل الشيء المطمئن هو ذهاب السعودية لأسواق الدين العالمية ولديها نسبة دين عام للناتج المحلي الإجمالي منخفضة تصل الى 12.3 %. وهذا العامل من دون شك سيلعب دوراً في الحصول على سعر تنافسي.
• عندما نتحدث عن العرض والطلب بأسواق الدين الإسلامية، فهناك نقص في المعروض من فئة الجدارة الائتمانية العالية التي تتوائم مع تصنيف السعودية الائتماني .
• يتساءل البعض عن سبب توجه السعودية للصكوك بدل من السندات. لعل أهم الأسباب في ذلك يعود لتنويع قاعدة المستثمرين. فهناك نوعية من المستثمرين لا تستثمر بالسندات. بينما الصكوك تجلب لك المستثمرين التقليديين (المتعودين على السندات) والإسلاميين.
• يتضح لي من عواصم المال العالمية التي تم اختيارها في هذه الجولة الترويجية أن السعودية وضعت نصب عينيها المستثمرون الشرق أوسطيون. فتلك الشريحة تميل نحو الاستثمار بالأوراق المالية الإسلامية بدليل تخصيص يومين لهم في أبو ظبي ودبي. فهؤلاء المستثمرون هم نفسهم الذين استحوذوا قبل أيام على الغالبية العظمى من الصكوك السيادية التركية. وهؤلاء هم المستثمرون (anchor investors) الذين ستستند عليهم المملكة مع باكورة إصداراتها، بل سيكونون حجر الأساس لهذا الإصدار.
• لفت نظري آجال الصكوك التي اختارتها المملكة مقارنة بإصدار السندات. فلم نر على سبيل المثال صكوك الثلاثين سنة كما حدث مع السندات. لو تذكرون مقابلة قناة العربية في يناير الماضي، ذكرت فيها حين سألتني مقدمة البرامج الاقتصادية الفاضلة لين شومان عن آجال الصكوك التي كانت وزارة المالية تتداولها مع البنوك الاستثمارية، قلت حينها انه من المحبذ تجاهل الآجال الطويلة الأخرى والتركيز على الآجال المتوسطة ولاسيما الخمس والعشر سنوات. وعللت سبب ذلك نظراً لوجود قاعدة صلبة من المستثمرين بصناعة المال الإسلامية التي تفضل هذا النوع من الآجال، الأمر الذي يعني جلب ميزة تسعيرية تنافسية لصكوكنا. والحمدالله هذا ما حصل سواء عبر استهداف تلك الشريحة من المستثمرين أو حتى اختيار الآجال المناسبة.
• الهيكلة وما أدراك ما الهيكلة ! تلك الهيكلة التي دار حولها جدل كبير في الآونه الأخيرة. وبالرغم من أني أنوي إفراد مساحة أكبر للتحدث حولها، فلابأس من الإشارة الى اعلان البنوك المرتبة للإصدار والذي يتضح فيه عدم إقامة أي جولة ترويجية بالمدن الإمريكية والآسيوية. ولذلك ربطت ذلك، خلال مقابلة العربية، الى توجه السعودية نحو الهيكلة الهجينة، وذلك قبل تأكيد ذلك التوقع بساعات قليلة من قبل وكالة رويترز لاحقا. وأرجعت سبب ذلك لكون تلك الهيكلة تعد بالغة التعقيد للمستثمرين الدوليين الذين لا يعرفون الكثير عن المالية الإسلامية. مع العلم أن باب الاكتتاب مفتوح للمستثمرين الأمريكان والآسيويين.